جلال محمد

جلال محمد

مسلمتان بفضل العلمانية في الكونغرس

Thursday 08 November 2018 الساعة 01:42 pm

بعد معركة انتخابية عنيفة أسدل الستار عن الانتخابات النصفية الأمريكية، وأعلنت نتائجها التي تقبلها الطرفان "الجمهوري والديمقراطي" بعد منافسة شديدة وسجال انتخابي حاد، وانتقادات متبادلة بين الرئيس الأمريكي ترامب وسلفه باراك أوباما، وحزبيهما اللذين يشكلان عمود السياسة الأمريكية.

وما لفت انتباه الكثيرين هو حصول سيدتين تنحدران من أصول عربية، وهما رشيدة طليب من أصل "فلسطيني"، وإلهان عمر من أصل "صومالي"، على مقعدين في الكونغرس الأمريكي، ليؤكد لنا المجتمع الأمريكي تقدمه ونضجه الفكري وإيمانه المطلق بالقدرات وتقبله للاختيارات الديمقراطية التي تعد تعبيراً عن الحرية.

وبينما ذهب العرب من سياسيين وناشطين للإشادة بما أفرزته العملية الديمقراطية الأمريكية، وعبروا عن ذلك بكتابات صحفية ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، تناسوا جميعاً ما الذي مكن العربيتين المسلمتين من الوصول للكونغرس، قبل كفاءتهما وقدراتهما؟!!
ما الذي كفل لهما ولغيرهما حرية التعبير والتشجيع والمنافسة والوصول والتمكين؟!!

إنه النظام العلماني.. نعم النظام العلماني الذي كفل الحريات وفرض المساواة وتكافؤ الفرص، العلمانية التي لا تدقق في وجوه المواطنين وتفرزهم على أساس اللون، ولا تنظر إلى معتقداتهم فتصنفهم بحسب الدين والمذهب، وقطعاً لا تهتم العلمانية بالقبيلة والعرق كي تمنح الحقوق أو تحجبها.

العلمانية التي فتحت لهما آفاق المنافسة تحت سقف القانون الأمريكي، ووفق مصالح الأمن القومي للأمة الأمريكية، ومن كان جديرا بتقديم الخدمة للمجتمع والدولة فلا موانع أمامه، مهما كان دينه ولونه وأصله، ولا نستغرب يوماً ما حين تتبنى إحدى "العربيتين" أوكلاهما مواقف لا تنسجم ومزاجنا العربي، ومصالح أمتنا، فمن المضحك أن ننتظر مواقف تخدم سباتنا الطويل، وغينا العجيب وتشظينا اللعين.
وعلينا أن ندرك أنهما لن يحملا معتقداتهما وقضاياهما الشخصية إلى داخل قبة الكونغرس، بل سيحملان ما يتطلع له الجمهور الذي منحهما صوته.

كم نحتاج في بلداننا العربية عموماً واليمن على وجه الخصوص لنظام علماني ينسجم وعادات وأخلاقيات المجتمع الإيجابية منها، لنقفز فوق الحواجز اللعينة التي كبلتنا قبلياً وعرفياً، ونحطم الخرافات التي طالما اُستغل الشعب بها، وأرسل لحتفه وهو مغمض العينين، متوقعاً الفردوس الذي باعه رجال الدين على أتباعهم بحسب الأهواء، ووزعوا "الحور العين" على عشاق الفناء والقتل والدمار.

ما أحوجنا لنظام علماني تدار به الدولة، يمنح الحرية للجميع ويقيم العدالة ويفرض القانون وهيبة الدولة، نظام تتكافأ فيه الفرص دون تمييز، دون وساطات ومحاباة، ليتسنى للجميع المنافسة الشريفة، والعمل الجاد دون أي مؤثرات او مخاوف من نقمة حزبية أو مناطقية أو فتوى دينية تبيح الدم والعرض.

لقد قدم المجتمع الأمريكي أنموذجا مشرفا كبقية المجتمعات المؤمنة بالحرية والليبرالية، في اختياراتهم، وبالإضافة لذلك لم يغب عن الناخب الأمريكي جلد السلطة القائمة ولفت نظرها إلى عدم رضاه في إدارتها لبعض الملفات مثل السياسة الخارجية والهجرة وغيرها، وكعادته الناخب الأمريكي لا تجرفه تيارات التحزب الجمهوري أو الديمقراطي، بقدر ما يهمه اختيار من سيحقق له مبتغاه من خدمات ووظائف واستقرار وتفوق، ومن سيتبنى سياسات تنسجم وقناعاته داخلياً وخارجياً.