فهمي الكاشف

فهمي الكاشف

عن التأطير الطائفي والعرقي الفجّ: تعقيب موجز على تغريدات الحضرمي

Saturday 10 November 2018 الساعة 08:36 pm

فهمي الكاشف:

"‏لن يهزم الحوثيون والزيدية والهاشميون معه، ثقوا وتأكدوا وهذا عهد بيننا"، هذه التغريدة التي كتبها الصحفي عبدالله الحضرمي في حسابه على تويتر، هي واحدة من ضمن سلسلة تغريدات تصب في الاتجاه المستفز نفسه الذي تعبر عنه هذه التغريدة. ولو لم يكن هذا الشخص محسوباً على "العفاشيين" لما استدعت تغريداته أي تعليق، بالطبع إلى جانب ما يحمله هذا الطرح من خطورة. لهذا يمكن أن نرد بإيجاز في النقاط التالية:

أولاً، ‏نفهم من كلامك، يا عزيزي، أن الزيدية والهاشميبن هم من قتلوا الزعيم باستخدام الحوثيين الذين هم، وفقاً لهذا المنطق، مجرد واجهة وأداة لما تسميها أنت ب"الزيدية" و"الهاشمية". لا يوجد معنى آخر لتغريدتك غير هذا، طالما تجزم أن الحوثي يعبر عن هاتين العصبيتين المتخيلتين: "الزيدية" و"الهاشمية".

فهل يعقل أن تعتقد أنت بهذا؟ وإذا ما أخذنا في الاعتبار بقية تغريداتك التي تتحدث فيها كواحد من المنتمين لهاتين العصبيتين المتخيلتين، أو على الأقل كأحد المنحازين لها عاطفياً، فإن هذا يحيل إلى التشكيك في أصالة وصدق موقفك من واقعة استشهاد الزعيم صالح الذي لا تزال تضع صورته خلفية في حسابك وأنت كنت رئيس تحرير صحيفته. ولا ندري كيف تستطيع التوفيق بين رؤيتك الغريبة هذه للصراع وللحوثيين وبين مواقفك وعواطفك التي أعلنتها بعد أن غادرت مع المغادرين إلى المنفى!

ثانياً، ما الذي تعنيه بالزيدية على وجه التحديد؟ هل الزيدية كمكان أو الزيدية كمذهب فقهي أم زيدية الحوثيين السياسية التي هي في جوهرها "الإمامة" وتمكين آل البيت بالاعتماد على الجهاد الموروث لاجتياح المناطق وممارسة الهيمنة على اليمن المتعدد مذهبياً والمتنوع ثقافة ومناخاً وتضاريسَ؟ وإذا كان الموقف من الحوثيين هو موقف من الزيدية، كما تشير في تغريداتك، فمن الجائز أن يقول الآخرون إن الموقف من الإصلاح واستهدافه هو موقف واستهداف للشوافع أو للسنة!

ثالثاً، هذا التأطير الطائفي والعرقي الفج للصراع يتفق مع ما يعتقده بعض أتباع هادي وقطاع عريض من خصوم الحوثي. فكثير ممن يقاتلون ضد الحوثي يفعلون ذلك ضمنياً على أساس أنه يمثل في نظرهم غزواً زيديا جديدا يعيد إلى الأذهان غزوات الأئمة في القرون الماضية! 
بينما الحوثي بنفسه يحاول في الإعلام الظهور كوطني يدافع عن اليمن وليس عن الزيدية. رغم أن الإمامة هي نقطة ارتكاز جماعته وهي قضيته الأساس التي يتمحور حولها كل شيء.

رابعاً، الرواية التي كان يتبناها المؤتمر برئاسة صالح هي أن هادي والإصلاح تآمروا واشتركوا في عملية تدمير الدولة وجيش الدولة.. ثم جاء الحوثيون لاستكمال ما تبقى. 
أنت نزعت من هذه الرواية "الدولة والجيش" واستبدلتهما بالزيدية والهاشمية. فهل كانت تلك دولة الزيود والهاشميين؟ أظن حتى الحوثيين لن يوافقوك على هذا الادعاء، لأنهم كانوا من ضمن المشاركين الفعالين في هدم وتقويض تلك الدولة ومحاربة ذلك الجيش والصعود على أنقاضهما واستخدام ما تيسر من الركام كقطع غيار لتكوين شبه دويلة كهنوتية معزولة عن محيطها. علاوة على أن الحوثيين أصلا لديهم مفهومهم الخاص عن الزيدية، فهم يستبعدون من الزيدية كل من لا يقر ويؤمن بولاية آل البيت أي الإمامة.

خامساً، القول بأن الزيدية يقفون مع الحوثي يوحي كما لو أن المجتمع في مناطق صنعاء وشمالها لا يعيش الآن في حالة خوف من صميل الحوثيين ومرارة من خذلان وخيانات الأطراف الأخرى. كما لو أن هذا المجتمع، الذي تشير إليه، ليس الآن في وضع من الإذعان والذهول وقلة الحيلة. كما لو أن الحوثي جاء بالإرادة الحرة لهؤلاء الناس الذين تصفهم أنت بالزيدية. كما لو أن الأمر لم يكن إخضاعا تلعب القوة فيه الدور الأساسي ضد مجتمع منقسم سياسيا وجد نفسه أعزل ومكشوفا بعد انهيار دولته!

سادساً، الحوثي لم يحصل على تفويض من المجتمعات التي وقعت تحت حكمه في ظروف نعرفها جميعا، يستوي في ذلك مجتمع عمران مع مجتمع الحديدة أو المحويت أو إب. ليس هذا فحسب بل إن المجتمع الذي يوصف ب"الزيدي" هو مجتمع حافل بالتنوع والسيولة والحركة والانفتاح المذهبي، حيث نجد فيه اختلافا في أشكال التدين بين أفراد العائلة الواحدة. يمكن أن تجد في البيت الواحد من يضم في الصلاة على مذاهب السنة، ومن يسربل على مذهب الزيدية دون أن يكون لهذه المظاهر دلالة سياسية وطائفية. ومصطلح الزيدية، عندما يُطلَق على سكان هذه المنطقة من البلاد، يكون في الغالب محملا بعدائية تسببت بها الإمامة عبر التاريخ، ولا ينطوي على تحبّب أو ودّ. بمعنى أن كلمة زيدي وزيود لا تُقال عادةً في معرض الثناء والتحبّب بل تحوَّلت إلى ما يشبه اللمز والشتيمة السياسية عندما تصدر عن شخص غاضب ينتمي إلى الجنوب والوسط أو السهل التهامي.

سابعاً، الزيدية أصلا ليست كيانا سياسيا منظما وواعيا لنفسه هكذا كما تزعم تغريدة الحضرمي وأمثاله. إذا كان الحال على هذا النحو، حسب مزاعم هؤلاء، فإنه لا شرعية على الإطلاق في تجاوز هذا "الزيدي" لحدود مجاله الجغرافي المتخيل. فطالما هناك من يتصرف سياسيا من منطلق كونه زيديا أو شافعيا، فإنه بذلك يجعل من توسيع حكمه خارج منطقة الزيديين أو الشوافع عملا عدوانيا وغزوا في كامل الوضوح. وهذا هو منطق التقسيم والتفكيك والفوضى والعنف الذي لا ينتهي.

ثامناً، يا عزيزي، عندما يصدر عنك كلام كهذا في توقيت وظرف كهذا فإنه لا يمكن أن يُعزَى إلّا إلى العصبية والتضامن على أساس النسب، وليس للموضوعية فيه أي نصيب. وهذا معيب في حق صحفي مثلك. إضافة إلى أنه يدعم الآراء والمواقف المتطرفة التي تفضل تقديم صورة عن الصراع باعتباره صراعا ضد الهاشميين وأحيانا ضد الزيود بالمعنى المناطقي. وهي صورة خطيرة وعواقبها ليست جيدة البتة.