جلال محمد

جلال محمد

غياب المشروع الوطني الجامع.. استمرار في الفشل

Thursday 17 January 2019 الساعة 08:53 pm

تكاد لا تخلو جلسة بين مثقفين يمنيين يبكون الحال الذي وصل إليه اليمن، من الحديث عن غياب المشروع الوطني اليمني الجامع، الأمر الذي خلق شعورا بالعجز عن صناعة ما هو أفضل من واقع قاتم، قائم اليوم، ويمكن تسميته بكل إريحية بالكارثي، وحتما المراد هو البحث عن صناعة مستقبلٍ، يقطع مع الماضي الذي كان ملطخاً بالعبث السياسي الحزبي وفائض الأحقاد خصوصاً فيما تلى أزمة 2011م، من تناحر سياسي غير مسبوق كانت نهايته وخيمة على اليمن أرضاً وإنسانا، ووصلنا بسبب كل ذلك وما سبق من أخطاء لا يمكن نكرانها إلى هذا الوضع الذي لا يحسدنا عليه أحد.

إلا أننا في كل وقت من أوقات النقاش، نقف عند حدود تلك الانتقادات، وتعدد الأسباب والتنظيرات، في محاكاة لتجربة رجم الشيطان، أو تقديم الاعترافات، من دون الولوج إلى جوهر الطقوس، بما تعنيه القطع مع تلك الأخطاء والخطايا تحت بند التوبة، ما يؤسس من جديد لتجارب لا تبتعد في مساراتها عن تشريح الواقع، وما ينبغي فعله، مما جعل من خطاب النقد المتتالي مجرّد شعارٍ، يضاف إلى جملة من شعارات المرحلة الغارقة بفشلها يمنياً، سواء على صعيد العمل السياسي "شرعية وأحزاباً رافضة للحوثي" أو العمل المسلح بشقيه، العفوي والمؤدلج.

ومن هنا تأتي أهمية استنباط آليات جديدة في صناعة واقع جديد يمكنه أن ينتج جسراً يعبر فوق الواقع المزري، مستفيدا من حوامله الوطنية، ومتجاوزاً التدخلات الإقليمية والدولية، ومتكئاً على رغبة اليمنيين في إيجاد مشروع يمني وطني، يكون هو التعبير الحقيقي عن هدف التخلص من عنترية وعمالة واستبداد جماعة إيران في اليمن "الحوثيين" الذين يجترون الماضي وينتقمون تأريخياً من اليمن واليمنيين.

ولكن كيف يمكن الوصول إلى ذلك المشروع؟ وما آليات العمل عليه؟ ومن أين يمكن لحظ ضروراته الوطنية؟ ومن هي الجهة القادرة على جمع شمل اليمنيين على صورة وطن المستقبل؟ وهل بقي بين السياسيين والأحزاب، أفرادا أو مجموعات، من يستطيع فعلياً تجاوز "الأنا" الفردية مقابل ال "جميع"؟ إن أرادوا دولة منفتحة على الجميع لا منغلقه على لون وتيار واحد.

قد نظلم قلة من الشخصيات الوطنية المؤمنة باليمن، عند الحديث عن طغيان المصالح الشخصية، وحروب أعداء الكار، التي تطفو على بحرٍ من كراهية الآخر، والتقليل من شأنه، واعتبار وجود "الآخر الشريك" تعتيما على وجوده، ما يجعل من العمل الجماعي الوطني والمؤسساتي، في ظل هذه الأجواء، غير ممكن، إلا في ظل الخضوع لمعادلة السيد والتابع.

وبصراحة أكبر ، ولو أنها مؤلمة لمن يكتبها ويقرأها، يبدو أن المال السياسي هو الذي بات يعول عليه تقديم الحلول، ما يعني أن أي حديثٍ عن جهد وطني خالص لإيجاد حالة وطنية جديدة، محكوم باختراقه وتعطيله، وتوجيه دفته باتجاه أجندة مموله، سواء الظاهرة أو الخفية.

وضمن هذا الواقع المأساوي الذي أفرزته سنوات الشقاق والحقد والانتحار السياسي لكل أطياف العمل الحزبي اليمني المؤمن بالجمهورية والثوابت الوطنية وقيم العدالة والحرية والمساواة التي يدفنها الحوثي كل دقيقة تمر دون تخليصه من أوهامه وتوهماته أو الخلاص منه وأتباعه، يبرز السؤال الملح الذي لا يمكن تجاهله:

هل على النخبة السياسية والثقافية الاستسلام لهذه الفوضى والعبثية والغياب أو التغييب لأي مشروع وطني، والانخراط بالاصطفافات السياسية الخارجية لمستثمري المال السياسي في الصراع اليمني، بكل أوجه الاستثمار من السياسي والعسكري إلى الإعلامي والثقافي، أم أن القدرة على ولادة ذلك التوجه الوطني والمشروع الجامع لا تزال متوفرة، حتى عندما تبدأ من أسفل سلم التوافقات بين يمنيين ليسوا ضمن المحسوبين.

على الممولين الدوليين، أن لا يسعون، من خلال انخراطهم بمشروع وطني، إلا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من دور لليمنيين في اختيار أجندة مستقبلهم، وسبل العيش بينهم، وآليات إنهاء مأساتهم وفق الممكن والمتاح، وبما لا يهدر التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب اليمني، فداء لحريته وجمهوريته وتأكيداً على أن الماضي الإمامي لن يعود مهما كانت التضحيات؟