د. حمود العودي

د. حمود العودي

تابعنى على

أخطاء السياسة الملوثة والتقولات على دين الله (3 - 4)

Tuesday 26 February 2019 الساعة 10:29 am

> إلى الحركة الإسلامية اليمنية: ولدتم تابعين وشِبتم عاجزين (1 - 4)
> أدعياء الدين في خدمة السلطة (2 - 4)

*خطأ التقوُّل بوجود (ولي أمر) في الإسلام خدمة للحاكم الفرد

من الأمور الشائعة خطأ بحُسن نية أو سوء نية على الأصح هو القول القديم / الجديد بوجود (ولي أمر) فرد في الإسلام، استناداً إلى تأويل النص القرآني الكريم والمكتمل اللفظ والمبتسر المعنى في قوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.

حيث يتم التركيز بعد طاعة الله ورسوله، التي لا خلاف فيها، على طاعة (ولي الأمر) الفرد الذي لا وجود له أصلاً لا في النص ولا في مقصده قط، بدلاً من لفظ الجماعة (أولي الأمر) الموجود نصاً ومقصداً، وبدلالته السياسية المؤكدة على حكم الجماعة وليس الفرد، وهذا هو ما يتم تحريفه من نص غير نصه وتحميله ما لا يحتمله قط من معنى غير معناه ومقصداً غير مقصده، أو بعكس مقصده تماماً، بهدف تكريس حكم الفرد بدلاً من حكم الجماعة، وهو الأمر الذي يتنافى مع شكل النص ومضمونه ومقصده، وبالتالي العمل بخلافه، أما الجزء الأسوأ من الفهم السياسي المغرض لهذا النص القرآني الكريم فهي كلمة (منكم) أي (أولى الأمر منكم) فكلمة منكم لا يتم التطرق إلى معناها ودلالاتها بأي شكل إلا عرضاً، وكأنها مجرد إشارة إلى نوع البشر، رغم الأهمية القصوى لما هو أبعد وأكثر من ذلك بكثير، فكلمة (منكم) بصريح وبلاغة اللغة التي هي من معجزات القرآن الكريم، تعني جوهر المقصد المرتبط بالجماعة الحاكمة ممن ارتضاهم مجموع الناس من بينهم، أما من لا يرتضونه فرداً كان أم جماعة، بسبب عدم جلبه النفع لهم أو دفعه الضرر عنهم فهو ليس منهم في شيء.

فنحن أمام نص قرآني واضح وعظيم يؤكد مبدأ حكم الجماعة المرضى عنها من عامه الناس، أو المنتخبة منهم على الأصح، وليس حكم الفرد أياً كان، أو الجماعة غير المرضى عنها من عامة الناس أياً كان أفرادها، كأسرة بعينها أو طبقة أو طائفة أو قبيلة بذاتها من دون الناس، ناهيك عن حكم الفرد فيما يعرف "بولي الأمر" الذي لا أساس له من كتاب أو سنة إلا ما افترته وأوّلته المقاصد السياسية لأدعياء الدين باسم الدين.

مع التأكيد بأننا هنا بصدد مجرد مثال على خطأ تحريف كلام الله عن مواضعه ومقاصده الحقة من أجل خدمة سياسة الفرد وطغيانه، لا بصدد المجادلة في كتاب الله كما قد أوغل الفرقاء في السياسة كل وما في هوى نفسه، لأن الجدل في نصوص القرآن الكريم هو من الأمور غير المستحسنة بل والمنهي عنها في رأي الكثيرين، لأنه حمّال أوجه، كما قال عنه علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه.

* خطأ التقوُّل على سُنة وسيرة رسوله وخيار آله وصحبه من بعده

ومن الحديث عن خطأ تحريف كلام الله عن مواضعه ومقاصده من أجل السياسة والسياسيين في البند السابق إلى الحديث عما لا يقل خطأ وخطورة على الدين والدنيا مما سبق، وهو خطأ التقول الخاطئ على سنة وسيرة الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، وخيار الناس من آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين من بعده، بما لم يقولوه أو يفعلوه، ناهيك عن القائلين بالخطأ بأنفسهم وليس مجرد تقولهم على الغير، تلبيه لمطالب السياسة والسياسيين بغير حق أو سبب إلا دافع الطمع في مصلحة أو الخوف من عقوبة، بدءاً بالتقولات القديمة/ الجديدة بعدم جواز الخروج على الحاكم الظالم مهما طغى وبغى وفسق وافترى، ما لم يأمر بالمعصية أو يعلن الكفر البواح، لأن في الخروج عليه من الفتنة ما هو أكثر خطورة وضرراً من بغيه وفسقه، وأن محاسبة الحاكم مهما طغى وبغى هو أمر مرجئ إلى حياة ما بعد الموت، وهو من شأن الخالق في الآخرة وليس من شأن المخلوقين في هذه الدنيا، بل والقول بأن ما قد يصدر عن الحاكم من ظلم أو بغي أو فسق هو أمر مقدر له وعليه من الله سلفاً، كما هو مقدر على من يحكمهم كذلك، لأنه مجبر على ما يفعل كما هم الناس مجبرون على طاعته وعدم الخروج عليه مهما فعل، فكل ذلك هو مقدر له ولهم سلفاً طبقاً لمقولة "السوء" بأن الإنسان "مُسيَّر" لا "مُخيَّر".

وكل ذلك هو ما روجت له قديماً فتاوى وفلسفات فرق ومذاهب "المرجئة" القائلة "بإرجاء" محاسبة الحاكم، مهما بغى وطغى، إلى الخالق يوم القيامة، وعدم أحقية الخلق في ذلك، لأنه مستخلَف فيهم من الله، وهو الأولى بمحاسبته، وكذلك ما ذهبت إليه فرق "المجبرة" من القول بأن الإنسان مجبَر على فعل ما يفعله حاكماً كان أو محكوماً، لأن ذلك قد قدره الله عليهم سلفاً، فإذا كان الحاكم باغياً فاسقاً ظالماً والناس مبغى عليهم مظلومين منه فذلك قدره وقدرهم، وكل مجبر على ما به ولا يجوز الخروج أو الاعتراض عليه؛ لأنه اعتراض على تقدير الله لشئون خلقه... الخ، وهي الفرق والمذاهب السياسية التي شاعت في القرون الأولى من التاريخ السياسي"غير الإسلامي"، دفاعا عن ساسة وطغاة الأمويين والعباسيين، وهو ما يفعله سلفيو وتكفيريو اليوم وتجار الدين بالدنيا في اليمن وغير اليمن، مع الأسف.

وهي المقولات والتقولات التي لا يجاريها في الطرف الآخر من الافتراء على دين الله إلا التطرف النقيض لمقولات إن وجوب الخروج على الحاكم الظالم (بحد السيف) شرط من شروط اكتمال إسلام المسلم، وأن السلطة ليس من حق الناس قط بقدر ما هي من حق إمام سلالة عنصرية وهمية بذاتها، وليس المقصود بالإمام أو الحاكم الظالم هنا "الحاكم الظالم بفعله" والمخالف للشرع والدين –وليت الأمر كان كذلك- لأمكن قبول الخروج عليه بالعنف بحق، بل المقصود بالحاكم الظالم هنا هو "المغتصب للسلطة من غير أهلها" أصحاب الحق المقدس فيها من طوائف السلالات الوهمية!! وغلاة الشيعة بالدرجة الأولى، أما أفعاله المخالفة للشرع والدين فهي من باب الفرع المؤكد للأصل، وحتى لو كانت أفعاله غير مخالفة للشرع والدين فإن استقامة الفرع لا يلغي خطأ الأصل بعدم الأحقية الشرعية في الحكم أصلاً، أما إمامهم أو حاكمهم من نفس الفئة أو السلالة الوهمية فهو معصوم من الخطأ ولا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه ولا ينازع قط في أمره حتى ولو كان مجرد خرافة وثنية مختفية في كهف مهجور منذ أكثر من ألف سنة مضت، فما على الكل إلا أن يسلموا بتعطيل حدود الله وشرائعه بدءاً من صلاة الجمعة والجماعة وحتى الجهاد في سبيل الله نتيجة لغيابه، وينذروا حياتهم للتعبد على باب كهفه وقبور من سبقه حتى يخرج إليهم يوماً ويملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً!!

فأي دين هذا المفترَى به على الله ورسوله وصحبه وخير من تبعه من بعده بإحسان إلى يوم الدين؟ دفاعاً عن باطل سلطة موجودة أو بحثاً عنها بما هو أبطل من الأسباب والدوافع والوسائل غير المشروعة والمهينة لمنطق العقل والعلم، وما لا صلة له قط بحكم الإسلام في السلطة كحق مطلق لعامة الناس في قوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ}، ولا بجوهر الإسلام ورسالته الإنسانية المؤكدة بلسان نبيه الكريم القائل (الناس سواسية كأسنان المشط لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى كلكم لآدم وأدم من تراب)، وقول الخالق عز وجل أيضاً: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَٰكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم.

* ما أشبه اليوم بالبارحة

ومن نماذج ماضي التقولات الخاطئة على الله ونبيه وخلقه باسم الدين لخدمة أهواء السياسة والسياسيين في الماضي البعيد والقريب إلى شاهد الحال في الحاضر، وآخر مستجداته في بيانات الصراع السياسي بثوب ديني بين ما يسمى بجمعية علماء اليمن "الناطق السياسي الديني" باسم السلطة، وهيئة علماء اليمن "الناطق السياسي الديني" باسم المعارضة في اليمن، في محنته الراهنة، مع الأسف الشديد، وآخرها (بيان الجمعية) في يوم الخميس أول ذي القعدة 1432هـ الموافق 29 سبتمبر 2011م بشأن الأوضاع الراهنة، وبيان الرد عليه من قبل (الهيئة) في 8 ذي القعدة 1432هـ الموافق 6 أكتوبر 2011م، ناهيك عن سيل الفتاوى وخطب الجمعة وغير الجمعة المسعِّرة للفتنة وثقافة الكراهية بين الناس قبل وبعد هذه البيانات من على منابر المساجد ومنصات الساحات وأبواق القنوات وصفحات الجرائد ليل نهار، حيث جاء في بيان (الجمعية) القول بالنص (إن الخروج على الحاكم محرم شرعاً سواءً كان بالقول أو الفعل) إشارة إلى الاعتصامات والمظاهرات الشبابية، في حين ترى (الهيئة) في فتوى سابقة لها تبين أن: (الاعتصامات والمظاهرات السلمية حق شرعي ودستوري ومظهر من مظاهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكيف للبيان الصادر عن (الجمعية) أن يحرم ذلك.

كما يشير بيان رد (الهيئة) أيضاً على بيان (الجمعية) والذي نقتبس منه النص المطول الآتي للضرورة: "إن إطلاق القول بأن الخروج على الحاكم محرم بالإجماع، إطلاق فيه نظر، فإن الإجماع متحقق في حرمة الخروج على الحاكم العدل المختار برضى الأمة والمتصف بشروط الولاية والقائم بواجباته الشرعية، وأما الحاكم الجائر أو المتغلب فدعوى الإجماع على حرمة الخروج عليه غير صحيحة، وفيه تلبيس لا ينبغي لأهل العلم أن يقعوا فيه، فإن العلامة الصنعاني أنكر هذا الإجماع، وسبقه ابن الجوزي وابن عقيل والجويني، وقال بجواز الخروج على الحاكم الظالم الإمام زيد بن علي، والإمام ابن حزم، وهو قول عند الأئمة الأربعة: أبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، كما أثبت الخلاف فيه ابن حجر، وابن تيمية. وكان أحمد بن حنبل يقول عن الأئمة: من دعا منهم إلى بدعة فلا تجيبوه ولا كرامة، وإن قدرتم على خلعه فاخلعوه "العقيدة للإمام أحمد صـ124 رواية أبي بكر الجلال". أما ما ذكروه (يقصد علماء الجمعية في بيانهم) من أن الخروج على الحكام بالقول محرم بالإجماع فإنها دعوى للتفريط في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر". (انتهى النص المقتبس)، وكل له في ذلك مبرراته وتقولاته وتأويلاته ومقاصده الخاصة التي تبدأ ولا تنتهي في خدمة السلطان ومن يصر على توريثه من بنيه من الطرف الأول، مقابل خدمة من يطمع في إزاحته وشنقه والحلول محله من الطرف الثاني لا أقل ولا أكثر.

وهكذا هو جدل "القيل والقال في خدمة السياسة باسم الدين من أعماق الماضي البعيد حتى صميم الحاضر الجديد، وكأننا اليوم، وبعد أكثر من ألف وأربعمائة سنة، أمام موقف أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص من صراع علي ومعاوية على السلطة، أو إمام الروضة وإمام صنعاء أو إمام حدة وضبر خيره في يوم من الأيام، والذي لم يكن ليختلف قديمه العفن عن جديده الفج كثيراً في موقف الزنداني من زعيم الحصبة وعباد من زعيم النهدين، وما أشبه اليوم بالبارحة جوهراً ومضموناً وإن اختلفت الأشكال والمسميات، وكأن التاريخ لا يعيد نفسه –كما يقال- فحسب، بل وما كاد يتحرك من مكانه في صراع السلطة والثروة، ودين الله المشوه هو المطية الأولى في هذا الصراع القديم الجديد بغير حق.

والسؤال المهم هو: ما الذي يستطيع أي عاقل في سره وسريرته أن يقرأه أو يفهمه من "قيل وقال" السياسة فيما سبق قديمه وحديثه باسم الدين أكثر من القول ونفيه "يحرم ولا يحرم، ومجمع عليه ولا إجماع" والتي لا تختلف كثيراً عن مقولة "يرحل ولن يرحل" بلغة "الجدران"، بل إنهما نقيضان لمقصد سياسي واحد أو وجهان لعملة واحدة، تحتمل فيه السياسة ولا يجوز فيه إقحام الدين بهذه الصورة التي أصبح معها هذا الخطاب الديني المشوَّه والعقيم هو مجرد تعبير أكثر تشوهاً من السياسة المشوَّهة أصلاً، وأكثر فجاجة، مع الأسف الشديد، ومحتكم إليها بدلاً من احتكامها إليه كما هو المفترض.

فهل لا يوجد في دين الله الحق ما هو أجلّ وأسمى من "قيل وقال السياسة الملوثة هذه؟".

نعم وألف ألف نعم! لأن شمس النهار لا تطفئها عيون الخفافيش والأفاعي في الظلام، {وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}، صدق الله العظيم. وكما ورد في الأثر "إذا كانت صولة الباطل ساعة فإن صولة الحق إلى قيام الساعة".

والآتي هو بعض ما أمكننا الاجتهاد فيه في هذا الصدد..

.... يتبع