من خوالد القرية الطيّبة التي نشأت فيها أتذكر أنّ المرحوم جدّي للأب كان شديد الغلظة تجاه "الإصلاحيين"، ودوماً كان ينعتهم بأنهم تجار دين بعيدون عن الله قريبون من الشيطان. كنت أستغرب كثيراً في صغري من تلك النظرة السوداوية التي يحملها تجاه ثلاثة أشخاص يحملون فكر "الإخوان" في قريتنا رغم أن أحدهم من أقاربه، كنت أظن أن الإرث والأرض يقف خلف تلك النظرة التي اتخذها سبيلاً لتفريغ غضبه عليهم عندما يمرون من أمامه أو يدخلون في نقاش في وجوده.
ولكلّ قرية ذكريات وعبر ومناسبات لالتقاء الأجيال على درس في الوطنيّة الجامعة وضرورة الفهم الصحيح للأمور وعدم الخلط بين الدين والجنسيّة.
كان يقول جدي، يا ولدي، هؤلاء ليسوا كما تظنون أنهم حمل وديع، إنهم يتقمصون التدين، ويتسلقون على الجهود، ومن لا يخاف وهو يكذب باسم الله كيف له أن يخاف أشياء أخرى، هؤلاء يا ولدي لن تجدهم في أوائل المدافعين عن الأوطان، فهم فقط متواجدون في موائد العزاء وحلقات الترحّم على الشهداء الحقيقيين.
اليوم وبعد عشرين عاما على رحيل جدي فهمت موقفه، فقد كان أثقب نظرة من الساسة والسياسيين في عصره الذين لم يفطنوا لآفة الجماعات الإسلامية المتدثرة بالدين رداءً للوصول للسلطة، فالواقع أثبت لنا أنهم يقاتلون في سبيل أجندتهم فقط، في سبيل الولاية أو الخلافة والوراثة والتكفير والتفجير.
لقد أثبتت لنا جماعات الإسلام السياسي في اليمن بأنها تريد الحكم المطلق باسم الشريعة التي تتدثر بها وهماً، وهي نقيض الديمقراطيّة والحرّية والعدالة الاجتماعيّة والكرامة الإنسانيّة. ونهجها ضدّ التقدّم والتفتّح والتسامح والتعاون. بل ضدّ الإسلام نفسه وأخطر أعداء المسلمين على أنفسهم. إنها كارثة العرب والمسلمين طوال قرن وأكثر، وسبب تخلّفهم وشرورهم فيما بينهم قبل عدوّهم.
وما أبشع من حديث تلك الجماعات عن النضال، فأيّ نضال يكون بالعدوان على مؤسسات الدولة والأبرياء الآمنين كما تفعل جماعتا الحوثي والإخوان، وأي نضال يقصدون، هل غرس الألغام في طريق الجيش وقتل المزارعين وتفجير السيّارات وحرق المقار والمتاجر والأسواق وتهريب الممنوعات ونشر المخدّرات والغشّ والاحتكار ورفع الأسعار وإسقاط الريال وتوازي الاتّجار؟
أيّها العائدون حقدا علينا، أيّها المتأبّطون شرّا، المتربّصون ببلادنا سوءاً، من كلّفكم « بالنضال» نيابة عنّا ونحن وإياكم أضداد؟ وكيف نجازيكم على إساءتكم إلينا ونتحمّل تبعات أفاعيلكم التي لم نوافقكم عليها. بل نحن المتضرّرون منها وقد وجّهتم سهامكم إلى نحورنا ومددتم أيديكم إلى جيوبنا حتّى سئمنا التعايش معكم. وقد خلت قلوبكم من الرحمة وعقولكم من المعرفة، وعثتم في الأرض فسادا؟ جميعنا رآكم كيف كنتم وكيف أصبحتم ولا رادع لكم لأنّكم عملاء للخارج مندسّون في تجاويف الإدارة والوزارة. تخرّبون الدولة لأجل مصالحكم وامتيازاتكم التي لا تحدّ ولا تستحي. حتّى الأمل قتلتموه في روح الشباب، الذي بات مدمناً أو مهاجر يبحث عن أي وطن يحتضنه بعد أن سددتم كل الأبواب أمامه، وفتحتموها أمام أبنائكم فقط يا جماعات الشر.
ستنجلي سحابة صيفكم، وستذهلون حينها حين يتضح لكم أن الأوفياء لليمن وشعبه وتاريخيه دون تحيز أو تخندق مذهبي أو عصبي قبلي، وقد قرروا بأن لا عيش فيها لمن خانها وابتزّ شعبها.