ليس اللواء محسن خصروف هو أول من قال بأن دول التحالف العربي تخذل الشرعية ولا تمد “جيشها الوطني” بالأسلحة اللازمة لخوض معركة تحرير صنعاء وعودة الشرعية إليها، فقد سبقه الكثير من القادة العسكريين والمحللين السياسيين والناشطين الإعلاميين المحسوبين على الشرعية، وكرروها عشرات المرات من على منابر تابعة لأحزاب الشرعية، ولم ينبس أحد من “الشرعيين” ببنت شفة لتأنيب هؤلاء، ناهيك عن محاسبتهم وإحالتهم إلى التحقيق.
منذ أشهر كنت في مدينة الرياض بمعية العشرات من زملائي البرلمانيين، من حزبي المؤتمر والإصلاح، الذين صاروا اليوم هم “الشرعية” بعد التحاق عشرات النواب (الانقلابيين سابقاً) بصف الشرعية وسيطرتهم على رئاسة البرلمان (طويل العمر)، وكانت النقاشات تدور حول ما يعتمل في محافظات الجنوب، والاتهامات الموجهة للجنوبيين وللمجلس الانتقالي بأنه من دمر الأمن في الجنوب، وأنه (أي المجلس) تابع للإمارات وما إلى ذلك من المعزوفات التي تصم الآذان كل يوم.
قلت لصديقي البرلماني الرصين المتوازن: طيب دعوا المجلس الانتقالي، ودعوا الجنوب وشأنهما، وحرروا مناطق الشمال، ونحن سنكون عوناً لكم، وقد أثبتها المقاتلون الجنوبيون في الساحل الغربي وصعدة وبعض مناطق الجوف، فما الذي يمنعكم من تحريك الفيالق باتجاه صنعاء وهزيمة الحوثيين واستعادة الدولة؟؟
تفاجأت بالرد الذي جاءني صاعقاً، قال صديقي: نحن نريد تحرير صنعاء وكل الشمال، لكن التحالف يمنعنا. وأردف: تصور نتقدم بطلب دعم في العتاد والسلاح فيرسلون لنا 30 كلاشينكوف وذخيرتها.
تعجبت من هذا الرد، وتساءلت: كيف يتهم التحالف بهكذا تصرف وأنا أعرف أن المملكة والإمارات تخسران يومياً مئات الملايين (إن لم يكن مليارات) من الريالات والدراهم، في معركة المواجهة مع الحوثيين ذراع إيران في اليمن؟
* * *
ذكرتني تلك الحوادث بما استمعت إليه من مصدر موثوق كان حاضراً في اللقاءات التي جرت بين الجانب الحكومي (اليمني) والجانب السعودي (أنقلها على ذمة المصدر) فعندما التقى الطرفان، وتقدم القائد اليمني الكبير (عن جبهة مأرب) بقائمة مطالب ضمت اعتماد رواتب بضعة آلاف من المجندين الجدد، ومئات الآليات، شاصات، وسيارات مصفحة، وأطقُم وأسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة، مع ذخائرها، وغير ذلك الكثير، وعندها صرخ المندوب السعودي غاضبا، وقال ما معناه: لقد أنفقنا على هذه الجبهة عشرات (وربما قال مئات) المليارات حتى اليوم ولم نلمس شيئا من التقدم باتجاه العاصمة، وانكمش القائد اليمني وراء قلة حيلته، ثم انتقل إلى الحديث عن عدن والجبهة الجنوبية، وكان حاضراً عنها الشهيد أحمد سيف اليافعي (عليه رحمة الله وغفرانه) الذي تحدث باقتضاب مقدماً ورقة صغيرة عن المطالب التي لا تزيد عن عدد من الأطقم وذخائر لبعض الأسلحة المتوفرة، وقال نحن جاهزون والحمد لله، وقد أكملنا تحرير عدن ولحج، وأبين وخطتنا القادمة هي الانتقال إلى الساحل الغربي والسيطرة على مضيق باب المندب وميناء المخا، ثم اختتم حديثه بالاستئذان للمغادرة إلى عدن.
وقبل المغادرة عبر ممثل الجانب السعودي عن إعجابه بما أورده الشهيد اليافعي، وامتدح أداء القوات والقادة في هذه الجبهة،... ولم تمض أشهر حتى استشهد القائد أحمد سيف في ظروف ما تزال غامضة حتى اللحظة تاركاً وراءه سجلاً حافلاً بالمآثر الخالدة والسمعة الحسنة ونقاء اليد والروح والضمير.
ويبقى السؤال: هل فعلاً خذل التحالف السلطة الشرعية؟ أم أن الشرعيين يريدون تحالفاً يقاتل نيابةً عنهم، ويقدم الشهداء بدلاً عنهم، ويقدم لهم الأسلحة الثقيلة والمتوسط التي يذهب الكثير منها إلى أيدي الحوثيين؟