لطفي نعمان

لطفي نعمان

تابعنى على

رسالة - استقالة الوزير دهمش إلى الرئيس الحمدي 1977م

Monday 29 July 2019 الساعة 08:53 pm

مدخل قراءة الرسالة الموعود بنشرها منذ رحيل الأستاذ أحمد قاسم دهمش، رحمه الله وغفر له:

الصداقة تفرض الصدق والصراحة. فصديقُك من صدَقَك لا صدَّقَك.. لا سيما وأن الأصدقاء تربطهم قضية واحدة وتجمعهم حركة انتظم التدبير والترتيب لحدوثها من كافة الجوانب السياسية والإعلامية والعسكرية والقبلية.

فلئن استعد العسكريون لتسيير خطوات الحركة أو الانقلاب أو الثورة فلا بد للإعلاميين أن يستعدوا لتبريرها بإعداد البيانات والتعليقات ومواكبة الأحداث وتغطية أخبارها، وينبغي على السياسيين المدنيين والقوى القبلية أن يباركوا -ما لم يشاركوا ككبار مشايخ القبائل أو يعارضوا- التحضير اللازم لها!

ذاك مما يجعل المصير مشتركاً، والتنبيه لعواقب التحركات أمراً محتوماً خصوصاً ممن استطاع التحرك من الساسة وأهل الإعلام -وحتى العسكريين- بحرية على كافة المستويات والاتجاهات، ليتسنى لهم رؤية المشهد كاملاً وكشف ما خفي عمن يتصدرون المشهد.. من باب: "قل كلمتك وامش".

على هذا الأساس يمكن قراءة خلفية موقف المرحوم الأستاذ أحمد قاسم دهمش من الشهيد الرئيس إبراهيم محمد الحمدي. حينما قدم استقالته من العمل الحكومي وغادر إلى خولان في أوائل أغسطس 1977م، أي قبل شهرين من اغتيال الرئيس الحمدي، وأثناء مرحلة وساطة سعودية بين الرئيس الحمدي ومشايخ القبائل المعارضين ممن كانوا رفاقه السابقين بداية حركة 13 يونيو 1974م.

وبقراءة الرسالة – الاستقالة، المطبوعة على الآلة الكاتبة في 8 صفحات فلوسكاب، يظهر للقارئ:

محتوى الرسالة الصادم. تشخيص العلل الدقيق. وضوح الموقف دون التواء. والاعتداد بالخطى التقدمية النافرة من القوى التقليدية.

الاستقالة الدهمشية لم تخل من تعابير أمل محطم. وتناولت الإنجازات بوصفها مظاهر وقشوراً. وتطرقت –مؤكدةً- للتبعية للخارج. والتصحيح بأسلوب غير صحيح. وأفصحت عن صورة "حكم مهلهل، وخاضع، ووضع ضعيف"، حسب تعبيرات دهمش.

وكشفت عن حالة غرور أو اغترار بالمظاهر وتصفيق الجماهير.

تتجلى قيمة النص بأن دهمش "شاهدٌ من أهلها".. أهل حركة 13 يونيو.

دهمش من أكثر الناس حماساً للحركة وأفكار الحركة ومن ألصقهم بقائد الحركة.. منذ تحضيرات الحركة، وما قبلها، إذ تزاملوا في غير مهمة رسمية وكذلك حكومة وسجن، منها زمالة سجن القاهرة الحربي من 1966م – 1967م. وعضوية الوفد المكلف بالسفر إلى سوريا من مجلس الوزراء أواخر أغسطس 1973م لمراجعة الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني بالعدول عن محاولته التخلي عن الرئاسة، أثناء اعتكافه الشهير بـ"صلفنة". ذهب الوفد برئاسة الطامح إلى الرئاسة إبراهيم الحمدي، وعضوية بعض مشجعيه، بُغية التصحيح، ومنهم وزير الإعلام أحمد قاسم دهمش..

ذاك في بداية أمر تحضيرات الحركة. أما في نهاية أمر الحركة يبيّن الوزير دهمش -عبر استقالته- للرئيس الحمدي بلوغ الحمدي نفسه وحركته بداية النهاية. سواءٌ كانت نبوءةً أم تحذيراً فقد كتبها إليه مدفوعاً بحماس وانفعال وبصيرة مع محاولة تقديم رؤية..

وبدافع المحبة، سادت الصراحة.

كما بدافع الحرص، صدر النقد.

مثلما بدافع الصداقة، صدق التعبير عن الخيبة وتشخيص العلة ومدى الارتهان.

لأن بقدر الأمل وقع الألم.

كيف رد الرئيس الحمدي على الوزير المستقيل دهمش؟

رد الحمدي على رسالة واستقالة دهمش رداً ودياً، وفي نفس اليوم، لكنه في آخر الرسالة ارتبك كحالة من حالات ردود الفعل، حال تأريخ سنتها إذ كتب 76م بدلاً عن 77م، [يؤكد صحة افتراض ارتباكه حال كتابة سنة تاريخ الرسالة، أن يوم استقالة دهمش كان 8 أغسطس، طبقاً ليوميات الشيخ سنان أبو لحوم]. وقبل تأريخ الرسالة يختتمها معرباً عن تمنياته لدهمش العناية بصحتيه الجسمانية والنفسية، بعد أن أوجز بعبارة سابقة أنه يُقِر بكل الأخطاء وينفرد بتحمل المسئولية عن كل خطأ، مُعفياً الآخرين منها.

ولأنها شهادة شاهد من أهلها، استشهد بالرسالة الدهمشية اللواء الركن حسين محمد المسوري في كتابه "أوراق من ذكرياتي" بالرسالة الدهمشية في سياق وصف مسار الحركة وتقديم الصورة المغايرة للرئيس الحمدي وتقويم عهده. وثبت كذلك أن بعض معارضي الحمدي من شركائه السابقين في حركة 13 يونيو، تحضيراً وتنفيذاً، اعتبروا استقالة دهمش عملية مرتبة بين الاثنين، حسبما وثقته رسالة مشتركة مؤرخة في 27 سبتمبر 1977م للشيخين أبو لحوم ومجاهد أبو شوارب موجهة إلى الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود الذي كان يقود الوساطة بين المشايخ وبين الرئيس الحمدي ويرعى مساعي المصالحة بينهما، مؤيداً جانب الرئيس الحمدي، كما تشكو رسائل المعارضين في كتاب الشيخ سنان الذي يصف مع الشيخ مجاهد استقالة دهمش بأنها "وهمية" وأن رسالته هذه "دليل قاطع على اتجاههم" هو والحمدي، وأنهم "متفاهمون على كل كلمة، وما جاء فيها من كلمات تستهدف جانب الحمدي للتغطية..." (انظر سنان أبو لحوم "اليمن حقائق ووثائق عشتها.. الجزء الثالث النص في ص 199، الصورة ص 552).

ختاماً.. تصبح رسالة دهمش وثيقة غير قابلة "للتغطية" عليها، وهي قابلة لدراستها ممن يشاء إثبات أن رؤى "الأحباب كلٌ في طريق"، وكذا دراسة ما على وما لهكذا مرحلة فاصلة من مراحل تاريخ يمننا المعاصر، وعهد من أبرز عهوده، وقائد من أشهر قادته وشهدائه.. رحمهم الله جميعاً.

نص الوثيقة الدهمشية:

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ رئيس مجلس القيادة والقائد العام للقوات المسلحة

المقدم إبراهيم محمد الحمدي الأكرم

تحية حب وإخلاص؛

أرجو قبول استقالتي فأنا لا أرضى لنفسي أن أكون مع حكم مهلهل يخضع للسعودية في كل صغيرة وكبيرة ووقع تحت تأثيرات استطاعت أن تصور له حتمية النهاية على أيدي المشائخ التي تمسك بخيوطهم وأن في يدها أي السعودية ضمانة الاستمرارية لهذا الحكم المهلهل إن هو ظل خاضعاً لها وفي وضعه الضعيف دون أن يعمد إلى بناء الدولة الموعودة وأن يعمل على إبقاء المناطق الشمالية والمناطق الشرقية والمناطق الشمالية الغربية معزولة عن الدولة إلا بشكل طفيف وأن يوافق على عودة المفروضين وشروطهم.

مقابل استمرار تغطية العجز في الميزانية. والتأكد على الحد من طموحات المشائخ المتمردين والخمائر المعارضة وبقاءهم على أوضاعهم؟ يعني أن المشائخ لا يستطيعون الوصول إلى أكثر مما هم فيه وكذلك الدولة لا يمكن أن تطمح إلى ما هو أكثر مما هي فيه بغية الوصول إلى تحقيق ما تهدف إليه السعودية من جعل المناطق الشمالية والشرقية مناطق معزولة وشبه متمتعة بالحكم المحلي الذاتي تمهيداً لتحويلها إلى حزام تبقى مواجهة الزحف اليساري المتوقع مستقبلاً كما تزعم.

ولا شك أنها خيبة أمل مريرة في قيادة حركة يونيو ووقوعها تحت أسر أوهام لا حقيقة لها وإغفال إرادة وقوة الجماهير اليمنية التي صنعت سبتمبر ويونيو وسوف تفرض كل ما تصبو إليه أي قيادة مؤمنة بالشعب وشجاعة.

لقد كان في مقدورنا أن نبني الدولة ونفرض احترامها ونملي العلاقات والمصالح المتبادلة كما تفعل دول الدنيا وبالأخص تلك التي تشابهنا في وضعها مع جارتنا. ونُحسِن السيطرة على قبائلنا وحدودنا وسوف نجد من قبائلنا الصادقين والمخلصين لو حاولنا معرفتها وحقيقة ولائها ولو أوجدنا الحكم الصادق والشجاع وفي مقدورنا أن نحترم الجيران ونعاملهم كدولة ونتعهد لهم احترام أوضاعهم لكننا لم نحقق شيئاً غير طرد مراكز القوى من صنعاء استجابة لرغبة فردية وإن كانت قد ترجمت عن رغبة جماهير الشعب واليوم تقبل عودتها استجابة لرغبة خارجية وإذا كانت رغبة داخلية فهي فردية تجاهلت ضرورة العودة إلى الشعب ولم تستشر أحداً في إقدامها على هذه الخطوة التراجعية إنني أجزم بأن عودة الشيخ الأحمر والشيخ سنان والمقدم مجاهد أبو شوارب ومن معهم كارثة في حق الشعب ورده إلى الوراء زمناً طويلاً كما أجزم أن المبرر لعودتهم ليس كبيراً كما يصوره الإشفاق السعودي (الداعي) إلى تحويل مناطقهم إلى مقاطعات تحقق أغراض السعودية الهادفة إلى جعلها كما قلت مناطق مستقلة تشكل قوى قبلية تصد الزحف التقدمي المتوقع في المستقبل.. وكما تصوره (أي المبرر) التقارير الزائفة التي يقدمها العملاء والانتهازيون ونتيجة حرصكم على كرسي الرئاسة واحتكاركم لفهم القضية وانفرادكم لخدمة الشعب وعدم إشراك أحد في المسئولية.. ونتيجة استسلامكم لمخاوف مفتعلة سوف لا تكون إذا سلمنا بصحة وقوعها أشد وطأة على الشعب مما سيأتي نتيجة هذه النكسة الكبرى.

ليس من المعقول ولا المقبول أن مشكلة شعبنا لا تعالج إلا بما تمليه علينا الضغوط السعودية وليس من المسلم به أن قبائلنا كلها مرتزقة سوف تحارب إن أرادت السعودية لهذه القبائل أن تحارب؟ وبماذا نفسر استجابة القبائل ومطالبة معظمهم بضرورة وجود الدولة في مناطقها؟

ثم بماذا نفسر استقرار هذه المناطق وعدم استجابها لمغريات المتمردين مقابل انضمامها إليهم رغم تعيش بدون الدولة ورغم الإهمال المهين من الدولة لهذه القبائل.. وإذا كان بين القبائل مجموعة من المرتزقة والمشائخ الذين يخدمون مصالحهم الشخصية فهل نحكم بأن هؤلاء هم كل القبائل؟ لقد كنا وما زلنا نفتقر إلى دراسة ومعرفة نفسيات شعبنا بكافة قطاعاته لكننا وللأسف الشديد ما زلنا حتى هذه الساعة نعتمد على مفهوم خاطئ وسابق وعلى آراء وتقارير بعيدة كل البعد عن فهم واقع شعبنا الجديد لا سيما بعد أن ارتبط بالأرض وتوسعت مصالحه وفهم المتاجرة بالحروب وتجارها لكن الحاكم الواحد لا يقدر أن يفهم إلا ما تمليه عليه تقديراته وعبقريته وتهليل الضعفاء والانتهازيين والعملاء الذين لا تعنيهم غير مصالحهم الخاصة.

لقد ارتفعت أصوات مؤمنة وصادقة ومخلصة لكم وللبلاد تطالب بوجود الدولة في المناطق الشرقية والمناطق الشمالية الغربية بصورة مكثفة ووجود الضروري من المشاريع في الوقت الذي كان أهالي هذه المناطق يعرضون ولاءهم وصادق تعاونهم مع الدولة ولكن التقديرات الفردية كانت تحسب نفسها أذكى من الآخرين وعند تعاظم الإصرار نراها ترسل من يمثلها من الضعفاء والسلبيين والسيئين يمثلون الدولة أسوأ تمثيل فيه الكذب وفيه الاختلاس وفيه الضحك على الذقون وفيه القهر المتعمد مثلما حصل في الجوف ومأرب وخولان وحجة ونواحيها من المسئولين؟ ولماذا الاجتهاد؟ لماذا لا نشرك الآخرين في المسئولية؟ لماذا لا نعود إلى الشعب ونستفتيه في الأمور الجليلة؟

لو عملنا ذلك ما كانت الأخطاء التي كانت وفي مؤخرتها الخطأ الأكبر التراجع ويعلم الله ما سيحدث بعده؟

أليس ما هناك أشياء تدعو للقلق والحيرة؟ وتدعو إلى مخاوف كثيرة؟ أليس ما كان في مقدورنا أن نبني الدولة وأن نصل بها إلى الحكم الديمقراطي الجماعي؟ ونتخلص من عقدة الدعم المستعبد لنا؟ لأننا اليوم نملك إمكانيات هائلة إننا اليوم نمتلك المال الذي يزيد على إنفاقنا بكثير ونرفض آراء وتقديرات العملاء الذين ما زالوا لو يصوروا لنا شبح الإفلاس الذي تغطيه السعودية في صوره السابقة.. ونحن نحملكم مسئولية تلاعبهم بالإنفاق وتبذيرهم بالمال واختلاق مشاريع سابقة لحاجتها كما نحملكم مسئولية دخول البلاد في أسلوب التهريج والأرقام المفتعلة والخطة الخمسية الوهمية وعدم وصول الدولة إلى ضبط الميزانية السنوية؟

الأخ الرئيس:

إن الناس اليوم يملكون القدرة لمقايسة الأمور ودراسة أبعادها ومردوداتها ولم تعد دغدغة العواطف والمشاعر بالزيف الديني والكلمات المعسولة والوعود البراقة والإشادة بالازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي الذي يشهد له بقاء الحكومة منصوبة عدة أعوام أربعة.. لم تعد هذه لغة مقبولة؟

فلو كانت الحكومة حكومة قوية ولها رأي في الوضع وفي الأعضاء وتمتلك شجاعة القول والفعل ما كانت باقية إلى اليوم؟

والازدهار الاقتصادي لو استقدمتم أربعة خبراء اقتصاديين من مختلف البلدان وكونتم منهم مكتب اقتصادي استشاري لرئيس الدولة لوضح لكم هذا الازدهار الاقتصادي وماذا يخفي وراءه؟

والتصحيح الكذبة الكبرى لماذا ثارت الثائرات حينما بدأ بداية جادة وأدان عناصر أجرمت في حق الشعب؟ لماذا تحول إلى كذب وخداع؟ ولماذا أعفي منه الوزراء والوكلاء ورؤساء المصالح والمحافظون وبقي ولو قولاً على صغار المسئولين والموظفين؟ لماذا تحولنا إلى جبناء نقطع بيد السارق الضعيف ولا تعنينا أيدي سارقي مئات الآلاف؟ لماذا يدخل المحكمة أصحاب القضايا الصغيرة وسارقي مئات الآلاف يتمتعون بحصانة الدولة وحظوتها لماذا الظلم بمختلف ألوان صوره يمارس في كل منطقة؟ ولماذا العبث ونهب الأموال العامة يتزايد يوماً بعد يوم؟ لماذا المحسوبية والمجاملات والوساطات عادت وبأشكال كثيرة؟

فكر سواس على الدهماء جاز ورعاة بالرعايا يلعبون

كان المفروض أن لا نكذب على الشعب لأننا لسنا بحاجة إلى الكذب. هل كنا مضطرين إلى اللملمة والترقيع ومراعاة الجيران إلى حد المساومة على كرامة الشعب ووحدة أراضيه؟

لماذا لا نستجيب للنداء الذي طالب بتشكيل مجلس أعلى استشاري يتولى دراسة الوضع في المناطق الشمالية والمناطق الشرقية وتمرد بعض المشائخ؟ هل من صالح البلاد أن تدخل الدولة معهم في حرب؟ هل من صالح الدولة والبلاد أن تدخل معهم في مصالحة وإلى أي مدى وما هي الخطوات التالية؟

هل من صالح البلاد أن تركز الدولة على هذه المناطق وتغدق عليهم بالمشاريع ولو على حساب المناطق المستقرة لكي تتمكن من سحب ولاء القبائل هل من صالح البلاد أن تبقى الأوضاع فيها كما هي؟

المهم مجلس أو لجنة أو جماعة تتولى دراسة هذه المناطق بدلاً من بقاء الأوضاع خاضعةً لتقديرات فرد واحد وتحت مزاج شخص متفرد بكل شيء معتمداً على التقارير الكاذبة والمزورة من الذين يتقاضون مئات الآلاف باسم التخريب في المناطق الشمالية وإحباط خطط السعودية والمشايخ وفي النهاية يعجزون عن الحصول على فرد واحد من حاشد أو يعزم إلى حاشد ليلتقط إشارة البث التلفزيوني عندما فتحت محطة جبل ضين؟

كنا نؤمل أن تبني في عهدك الدولة اليمنية المنتظرة ذات المؤسسات الديمقراطية الشعبية وأن تحقق في عهدك وحدة اليمن: وكنا نعتقد أنك فتى اليمن وسيفها ذي يزن ولكن ويا لخيبة الأمل استرخيت واستمعت إلى الأصوات الوصولية وتحولت إلى سيف من خشب.. وإلى حاكم يؤمن بالقضاء والقدر ويعتقد أن موهبة السماء هي التي قلدته مقاليد الحكم والدولة، ويعتمد على نجوم السماء وتخريصات المنجمين والموغلين في التجارب والمشعوذين ومحاكاة الملوك والرؤساء وأهل الخطوات والموهوبين والمحظوظين والاعتماد على الدعايات والصدقات وغير ذلك من أعمال البر والبركات والتقرب إلى الله.

أخي الرئيس:

صحيح أنكم تتعذبون في حكم اليمن ولكن السبب هو عدم البرمجة وغياب الأجهزة الفنية المختصة.. وانعدام الثقة في إشراك زملائكم في المسئولية، وانفرادكم بمعالجة كل صغيرة وكبيرة حتى توافه الأمور ومن مصادر تعبكم هو استحسانكم للمسئولين الضعاف الذين لا يقدرون على معالجة الأمور ومعاونتكم وإبداء الرأي في بعض قضايا.

وارتجالكم لكل ما استحسنتم اتخاذه وبقاؤكم في التلفيق في خرقة هادمة كلما رقعتم خرقاً اتسع آخر يزيد من ذلك الأخذ بتقارير غبية ومزورة لا هم لأصحابها غير التضليل وحيازة رضاكم ليحصلوا على مكاسب مادية أخرى.

أخيراً أرجو إمعان النظر في بعض الملاحظات التالية:

1- المحاولة الصادقة في تحقيق مكاسب ديمقراطية وطنية تهيئ الفرصة للشعب ليحكم نفسه ويكون هو وحده صاحب الكلمة العليا وفاءً لدماء قوافل الشهداء وضماناً من تكرار النكسات والتراجعات وحكم التطرف والقمع والإرهاب.

2- انعقاد المؤتمر الشعبي وانتخاب جمعية تأسيسية تتولى الآتي:

أ‌) مهام مجلس الشورى.

ب‌) تعديل الدستور وطرحه للاستفتاء الشعبي.

ت‌) تقسيم الجمهورية إلى دوائر انتخابية.

ث‌) إنشاء لجان وطنية لإعداد النظام الأساسي واللوائح لتنظيم اليمن.

ج‌) الإعداد لانتخابات المجالس المحلية والمجلس الوطني (البرلمان) واختيار الزمان الذي تقتضيه مصلحة الشعب لإجراء الانتخابات البرلمانية.

ح‌) طرح عدة أشكال لنظام الدولة الجديدة وأخذ آراء المواطنين للوصول إلى النظام الأمثل.

3- وتتولى الجمعية التأسيسية تشكيل لجان وطنية تأخذ على عاتقها مسئولية ربط المناطق النائية والمتروكة بالدولة وإنعاشها بالمشاريع والإدارة.

4- إبعاد بعض الوزراء والمسئولين العملاء والانتهازيين والسلبيين.

5- إعادة النظر في الميزانية ومحاولة الصدق مع النفس والواقع في وضع ميزانية صحيحة وغير خاضعة للمد والجزر.

6- الحفاظ على وحدة القوات المسلحة وإعادة النظر في وضع بعض القيادات.

7- إعادة بناء الأمن الوطني ووضع قانون يحدد من المتهم ومن المسجون وكيف يعاملهما.

8- إعطاء الصلاحية الكاملة للجنة العليا للتصحيح المالي والإداري بحيث تتمكن من ممارسة حقها الدستوري في قرار تشكيلها وإبعاد أثرياء التصحيح فيها، أصحاب الميزانيات.

الأخ الرئيس:

في الأخير أريد أن أؤكد لك أن دافع الحب والإخلاص هو الذي دفعني لتقديم هذه الاستقالة ولا تنس أن من حقي كمواطن أن أبدي ملاحظتي بكامل الحرية ما دامت لا تضر بأحد وما دامت تهدف المصلحة العامة.

وأرجو أن تقبلوها بتلك الشجاعة المعهودة فيكم وأن تأمروا بتشكيل لجنة لدراسة ما جاء فيها أو إحالتي إلى المحكمة إن رأيتم فيها إساءة وطنية، وأرجو اعتباري مستقيلاً داعياً لكم بالعون والقدرة على مواصلة المسيرة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أخوكم

أحمد قاسم دهمش

رد الرئيس الحمدي:

بسم الله الرحمن الرحيم

أخي الحبيب العزيز الأستاذ أحمد قاسم دهمش حفظك الله ورعاك

هذا مع الأخ الرائد عبدالله عبدالعالم والأخ عبدالله الشمسي ويعلم الله وحده كم يحز في نفسي أن تشعر بأي ألم أو أثر مني مهما كان وأنا أعتذر إذا كان هناك في نفسك أي جرح مني وأنا على ثقة أن قلبك أكبر.

أخي لدي الكثير مما أريد أن أقوله ولكن هذه السطور لا تسعها أنا على ثقة أنك تعرف أكثرها.

أخي مهما كانت الأمور فأنا أحمل نفسي كل المسئولية عن كل خطأ وأعفي كل الإخوان وأعذرهم وأكرر لك عذري ورجائي بأن يكون قلبك أكبر كما عهدتك. أرجو المعذرة لهذا الهذيان وبلسن الأخ عبدالله أكثر والله يحفظك ويرعاك وكلما يهمني هو صحتك الجسمانية وراحتك النفسية. دمت لأخيك، والسلام.

أخوك

إبراهيم الحمدي