لا أحد يجادل بأن النخبة تتحمل مسؤولية الانهيار الذي وصل إليه البلد. لكنها تستعر الحرب داخل انقسامات النخبة الضيقة، كمعركة كلامية عبثية تدور في حلقات مفرغة. كل طرف يسعى لنقد الآخر وتحميله المسؤولية، ولا أحد يسعى لنقد نفسه والاعتراف بأخطائه.
يتوجب على النخبة بشكل عام مراجعة أدائها ومواقفها من كل القضايا الوطنية.
ليست المشكلة انقسام النخبة بين الأطراف السياسية بقدر ما هي غياب الرؤية العامة وانعدام وجود ضوابط ومعايير شبه متفق عليها للثوابت الوطنية، مبنية على قيم حقيقية ورؤى واقعية، وليست مجرد شكليات ومزايدات ومكايدات وشعارات جوفاء.
انقسام وتشظي النخبة جعل كل مجموعة منها تحاول تفصيل الثوابت الوطنية على مقاس الطرف الذي تعمل معه. وبالتالي أصبحت النخبة تائهة. لم تعد مرتبطة بشرف الكلمة والتعبير عن الموقف الأخلاقي، وانما أصبحت أداة للمزايدات ووسيلة للعبث والابتزاز.
المشكلة قديمة وليست وليدة اليوم.. فقد بدأت جذور المشكلة قبل مرحلة التشظي -الذي نعيشه اليوم- حين وضعت النخبة نفسها أسيرة لخاطب وطني تقليدي بأساليبه السطحية ومزايداته السياسية، وابتعدت عن المراجعات الجذرية وإصلاح الخطاب الوطني، وتمسكت بالجانب الشكلي والعبارات التقليدية.
وحين وصلنا للانهيار لم تع النخبة خطورة الأمر كما ينبغي، فتقدم خطاباً جديداً شفافاً بقراءة نقدية ومراجعات لأخطائها السابقة.
متى تعرف النخبة بانها مطالبة بمراجعات جذرية شاملة لرسالتها الاخلاقية وللخطاب الوطني، أكثر من كونها مطالبة أو مضطرة لاعادة انتاج نفسها بمراكمة مشاكلها وتسويق نفسها وتغيير تموضعها، ومواقفها الازدواجية والرمادية؟!
وبكل الأزمات والمشاكل التي تعاني منها النخبة فانه يظل الرهان عليها بأن تكون عاملا ايجابيا، لكن هذا مشروط بوعيها بأزماتها واعترافها بمشاكلها وادراكها لدورها الحقيقي ومسؤوليتها الوطنية والاخلاقية.
قيمة النخبة على المستوى العام أو كمجموعات محددة أو كأشخاص هو التعبير عن الموقف الاخلاقي والعقلاني نحو القضايا الوطنية العامة وتصحيح الخطاب الوطني، واليوم على الأقل بأن يكونوا كذلك على مستوى الأطراف التي يعملون معها أو بالقرب منها.
خلاصة: كما شاركت النخبة بطريقة أو بأخرى، بعملية الانهيار الذي أتى بشكل متدرج وبالتعقيدات لارتباطات النخبة بالأطراف السياسية، فإن النخبة اليوم بامكانها أن تلعب دورا ايجابيا في إعادة الوطن من خلال مواقعها وارتباطاتها داخل الأطراف السياسية بطريقة متدرجة، ولن يكون هذا إلا بتغيير تفكير النخبة واعترافها بأخطائها، وممارسة دورها العقلاني والاخلاقي في ترشيد الخطاب السياسي للطرف الذي ترتبط به.
لعلها البداية الأولى لإعادة إصلاح وتجديد الخطاب الوطني العام، بطريقة عقلانية وقيم اخلاقية، وبمشاركة النخبة جميعها على حد سوء، بعد تحررها من الانقسامات الضيقة والافكار القديمة.