محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

أيلول.. المصباح على صليب غفوتنا

Thursday 19 September 2019 الساعة 10:04 am

بتُ أثقِل على ضجر يساوم بقاءه بعيداً عن تلصص العيون وبين وقوفه بأنفة الشاحذ همته عند أول الصباح.

هو أيلول بكل ما يحمله من أتراح كثيرة وأفراح عدد أيامه المنزعجة من صخب الوطنية المفتقرة لروح الإنسان، أقف عند الليل واستجيب للحماسة الثورية وأتورط في شجار مع ضجري الحارس الذي يصحو عند غمزة النجمة في أول المساء.

بطيء في تحليل قدرات أيلول على الصبر وعناء الأعباء الوطنية ولوثة الإمامة البغيضة، وتحمله مدافع قصمته نصفين، نصف يشجب ويندد ونصف يعبث بما تبقى من ضجري وكدري وما بقي من أصوات المارة بكنزاة قديمه اتقاء طيش الشظايا الباردة.

أحمل عينيَّ وأخبئهما كي لا أرى الوحل الذي يدنس الشوارد في الشوارع، نائحة تثوب من أيلول أغطية للعار الذي يلحق به في حوانيت السياسة.

هو أنا الذي يعتني بضجري وما تبقى لي من يوم في أيلول، أحتسي قهوة ولادة الخفي المختفي دلقتها في جوفي فاعتصرت براكين من السقم ينسح في أوردتي.

أيلول وجمهرة شظايا الروح التي استكانت من آخر حديث عن الثورة، تبقيان بعض اتقادٍ يضيء مصباح جوارحي وبعض خلاء استحال خيام المتعبين العائدين إلى نشيدهم وأسمائهم ولون حكاياتهم الدافئة بنفحات الجمهورية.

هو أيلول دثاري الأخير الذي يريدونني أن أتجرد منه لأصبح عارياً من ذواتي، هو الروح التي صاغتني بملامح هويتي وانتمائي، هو انتقاء الزمن في لحظة خاطفة من عبور التاريخ على خط الزمكان وتوقفه لبعض الاستراحة.

لا تثور الكلمات إلا بعد أن تجلدها سياط الألم، وبعض كلماتي دموعي في أيلول المعلق على صليب غفوتنا، أراه كالمخلّص يحمل خطايانا وينزف الدم، أتذكر صوت المحبين الذين فقأوا عين الظلام في ليلة الميلاد ودماؤهم الزيت الذي ساروا عليه حتى انبثاق الضوء وانثيال الشمس على قمم الجبال بلونها الجديد.

أيلول لا يطيق الانحناء لعمامة "الإمامة" وتأبى روحه أن تستكين على راحة يد تصفع بالظلم وتسرق أقداح الذُرة، وتختطف أرواح المنهكين من الدعاء، فثار في يومه المشهود كالقيامه وأشعل في التاريخ قصائد من تسابيح الجبال والوديان ودماء الرجال.

روحي لا تطيق الانحناء أيضاً وقد تشبعت من أيلول هذا الرفض عندما قُمّطتْ بثوبه، وترنمت بتلاوته، لذلك أشيح عنفوانها عن بعض هذا التصلب في الحزن والمأتم في البلد، وأمسك بخيط من قِماطي يواسي هجعتي وأنيني ويغدق الأمل الذي ينمو كل حين في جباه العائدين بالجمهورية على أجسادهم كالآلهة.

أيلول هناك العائدون من جحيم الحرب ليفكوا وثاقك، وروحي عائدة معهم، إنهم فتية آمنوا بربهم وفضيلة الجمهورية ونور وجهك في قلوب الناس، العائدون من التاريخ ليستكملوا مجد يوم 26 العظيم وينزاح وجه الإمامة عن صنعاء التي طفحت بهذا الضجر الوجداني لوعاء العبودية الذي يسقي الجهل بذلة وغرور.