عبدالله الحضرمي

عبدالله الحضرمي

الثورة.. الزنزانة

Monday 23 September 2019 الساعة 10:36 am

كيمني يعيش في المنفى أشعر بالغثيان، بغصة تخنقني حين أقرأ شعارات الحوثيين بثورتهم التي يلخصون إنجازاتها في طرد السفيرين السعودي والأمريكي من صنعاء، أتساءل عن الفائدة التي عادت على 30 مليون مليون يمني من طرد سفيرين وما إذا كان طرد السفراء يحتاج إلى ثورة وإلى كل هذه التضحيات الفادحة التي قضت على أخضر البلاد ويابسها.

من سوء حظ اللصوص أنهم يعجزون عن تبرير سطوهم على مقنيات الضحايا ويغدو العجز مركباً بالنسبة إلى جماعة سطت على أثمن ما جمع اليمنيون خلال حقب من الزمان وكادوا أن يورثوها بفخر لأبنائهم. الدولة ومؤسساتها وخدماتها ووحدة بلادهم ورموزها وتراثها وتعايشها الذي بنوه بعرق وسهر وتفكير طويل، بنزوة قرروا أن يمسحوها من خارطة الوجدان الإنساني، أن يبدلوا كل ذلك بثورة!! ما الثورة يا قوم؟ حتى المفاهيم القيمية وتعريفات القيم التي أبدعتها البشرية تحترق تحت مجنزرات العنف الفكري المسنود بعنف المجنزرات على الأرض.

هل تغدو الثورة بتلك القيمة التي تربينا عليها ورضعناها حبراً وأناشيد في مناهجنا وطوابير الصباح المدرسية حين تمسي باباً للجوع والقهر والجهل والموت، هل ثورة تلك التي تخرج الصغار من المدارس إلى الموت في جبهات الثورة ونزواتها، هل ثورة تلك التي تستعدي علينا العالم من حولنا وتنصبنا أعدء لكل سكان الأرض وتقول لكل من يتنفس نحن أعداؤكم فهلموا دافعوا عن أنفسكم من شرورنا؟!

نحن ثوار.. نحن أحرار، لقد طردنا السفير السعودي والسفير الأمريكي وهذا كل ما استطعنا إنجازه لكم، هذا صوتهم ودعايتهم لجريمتهم.

ليس السفيران وحسب، لقد طردوا كل السفراء وأحالوا البلد إلى غابة قاحلة من كل علاقة وصلة ووشيجة بالآخر على وجه البسيطة، إلى كوكب مستقل لا ينتمي حتى إلى المجرة التي تتواجد فيها الأرض والشمس والقمر، لا ضوء ينساب ولا أشعة تتسلل ولا حياة، بلد صار مقبرة كبيرة وما بقي منه أُدلج في سجن صغير، مجرد سجن صغير.. زنزانة منفردة لا تكاد تتسع غير السجانين. حتى السجانون سجناء بدورهم وقد كانوا في فسحة مثلنا.