منذ وصوله للسلطة حاول جاهداً أن يحدث تغييراً جذرياً على الساحة العربية التي ترزح تحت نير الاحتلال وتُنهب خيراتها ويراد تمزيقها إلى قطع إمعاناً في إذلالها، لئلا تقوم لها قائمة، خاطب الجماهير مباشرة وبالأخص شبابها فكانت أفكاره تسري فيهم كسريان الدم في عروق الجسد الواحد، انهارت ممالك ونظم، واعتبر القضية الفلسطينية مصدر قوة للانطلاق نحو تحقيق الوحدة العربية، فكانت الوحدة بين مصر وسوريا العام 1958، ولاءات الخرطوم الثلاث بشأن العدو المغتصب لفلسطين.
لقد سعى جاهداً وبما يملكه من رصيد شعبي واحترام دولي وبالأخص شعوب إفريقيا وأمريكا اللاتينية نحو مساندة البلدان التي تتطلع للخلاص والتحرر، ومنها بلدنا اليمن الذي يعود لمصر (عبدالناصر) الدور الأبرز في مساندة ثورة 26 سبتمبر 1962، وكانت مصر السند الحقيقي لنجاح الثورة، وعبدالناصر قدوة وأيقونة الثوار، لما امتلكه من حب ومكانة في قلب كل عربي أصيل.
في الذكرى 49 لرحيل الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، نتذكر سيرته الوطنية ونهجه العروبي القومي، وكيف كنا كعرب نمتلك قيادات بتلك المواصفات والكاريزما، الأمر الذي جعل كل ما كان يراه الشعب العربي مستحيلاً وقد تحول واقعاً وحقيقة، نتذكر تلك الحقبة المشرفة من تاريخ العرب عموماً ومصر خاصة ونتخيل حجم المؤامرات التي حيكت ضده شخصياً وضد الأمة العربية التي آمنت بمنهجه وفكره، لكي تكون النتيجة هذا الحال الذي نمر به من تشرذم وتآمر بيني وعمالة لأعداء الأمة، وفي ظل هذا التردي الذي وصلت له أمتنا، فلا غرو أن نرى تنمر الحاقدين على أمتنا في (إيران وتركيا)، ومحاولة كل طرف منهم إلغاء العروبة لصالح مشروعه التوسعي مستخدمين أدوات قذرة من أوساطنا العربية يعملون لخدمة هاتين الدولتين وتنفيذ أجندتهما كما يحصل في العراق واليمن ولبنان وليبيا.
في ذكرى رحيل الزعيم عبدالناصر، نتذكر فداحة الخسارة التي منيت بها أمتنا، ونتجرع مرارة الخيبة التي جعلتنا نتخلى عن مشروعه القومي التقدمي المدني لصالح مشاريع مذهبية طائفية، مستبدلين تلك العبارة المقدسة (أخي في العروبة)، ب(سني أو شيعي) وما زلنا نتحرك في أتون تلك الخيبة ويصر البعض على التشكيك في أي توجه قومي عربي، ومهاجمة أي عمل من شأنه حفظ الأمن القومي العربي من عبث الأعاجم الإيرانيين كما يجري في بلادنا.
نتذكر فطنة عبدالناصر لخبث الإخوان وعمالتهم، وكيف حاول تهذيب سلوكهم بالحسنى، فبادروا بمحاولة اغتياله في المنشية، ليبدأ بعد ذلك مشوار تعرية الإخوان وكشف حقائقهم أمام الملأ، فكسب المعركة ضدهم، وخلص مصر من شرورهم في فترة حكمه، لتتفرغ مصر لبناء الدولة واستعادة القدرات خصوصاً بعد نكسة حزيران التي لم يفرح بها الصهاينة كما فرح بها الإخوان الذين ما زالوا يحقدون على الرجل حتى يومنا هذا.
ورغم محاولات الإخوان تشويه عبد الناصر ووصفه بالفساد وكل المساوئ يروى لنا التاريخ أنه عاش حياة بسيطة. لم تختلف كثيرا عن حياة الطبقة المتوسطة، فقد كان والده يتقاضى راتباً قدره 20 جنيهاً يكفي بصعوبة للإنفاق على أسرته، وهو ما جعل الرئيس الراحل يشعر بالفقراء وينحاز لهم في كل قراراته عقب توليه رئاسة مصر. وعقب توليه الرئاسة لم يعش حياة البذخ التي يعيشها رؤساء وحكام الجمهوريات، بل ظل بسيطاً يشتري قماش ألبسته من محافظة المحلة ويتوجه به إلى "ترزي" بالقاهرة لتفصيلها. كان يأكل طعام الطبقة المتوسطة في مصر: وجبة غداء من أرز وخضروات مثل الكوسا أو البامية، وكان يتناول اللحوم والأسماك. كما أنه استدان من بنك مصر ليزوج إحدى بناته.
فتحية إلى روحه الطاهرة، لقد ارتحل ولم يترك إرثا ماديا (عقارات أو حسابات بالبنوك داخلية أو خارجية) يتقاسمها أبناؤه، بل ترك مسيرة حافلة بالنضال والشموخ والكبرياء، وليس الخيانة والدسائس والعمالة الإخوانية.