عبدالفتاح الصناعي

عبدالفتاح الصناعي

تابعنى على

هل أتاك حديث العلاقة بين سبتمبر وأكتوبر والحمدي وسالمين!

Sunday 13 October 2019 الساعة 09:28 am

 

في مطلع الأربعينات بدأت الحركة الوطنية بتأسس أول تنظيم في الشمال "هيئية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" ثم انتقل هذا التنظيم إلى عدن عام 1944م ومن هنالك ظل يدعو للإصلاح السياسي، وظل هذا التنظيم في معزل عن الشعب بالشمال كما هو في معزل عن التطورات والحركات الثورية والدستورية التي قامت في مصر وفي العراق، كما كان أيضا الشمال غارقا في تخلفه.. حيث إن هذا التنظيم كان أكثر تقدماً للأفكار التي ظهرت لأنها تجاوزت صراعات الفقه إلى الثقافة ومن التطرف الديني من حيث نظرية الحكم إلى الإصلاح الديني وشوروية الحكم ودستورية النظام، لكنهم يسعون لتنصيب إمام بدل إمام.

في هذه المرحلة كان الجنوب يشهد تطورات نوعية من حيث ظهور النوادي الأدبية والصحف... وظهر أول تنظيم "رابطة أبناء الجنوب"، التي كانت تسعى للحكم الذاتي في عهد تفجر الثورات العربية على الاستعمار، ويتلقون دعماً من الإمام أحمد.

فهكذا بنفس الطريقة كانت تواضع أفكار وأهداف "رابطة أبناء الجنوب" كما هي "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

يقول البردوني ملخصاً الوضع "كانت مهمة الرابطيين أسهل لأن الشعب كان معهم لو كانوا معه.. أما الدستوريين فقد كانوا ضد الإمام وكانت ضدهم غالبية الشعب".

تحولات الخمسينات وتطورات بداية الستينات

عاش التنظيمان الخمسينات دون أي تطور سياسي وفكري، ولم يحدث لهم اي تقدم إلا بتغيير المسميات. فتحول الدستوريون من "الجمعية اليمنية الكبرى" إلى "الاتحاد اليمني" وتحول مقرهم إلى القاهرة، بينما ظلت أفكارهم هي أفكار الأربعينات الراكدة، البعيدة عن كل التطورات وعن الحريات والاقتصاد الوطني وعلاقتهم بالشعب وانحصار أفكارهم، فقد حصر الدستوريون اليمن بالشطر الشمالي، وظل هدفهم هو خيبة 48 أن الدستورية هي استبدال إمام بإمام جديد.

وحصر الرابطيون أنفسهم على الشطر الجنوبي "الجنوب العربي" وانتقلوا إلى صنعاء وتعز والرياض، وظلت أهدافهم المطالبة بالحكم الذاتي.

وبالتالي فإن آخر الخمسينات كان يعني أفول وانتهاء هذين التنظيمين وبروز قوى جديدة من رحم التطورات والأحداث، فشهدت الحركة الوطنية ميلاداً جديداً، بحيث تعددت خلايا التنظيمات السرية في الشمال والتنظيمات العلنية والسرية في الجنوب.

المؤتمر العمالي، وحركة القوميين العربي، والاتحاد الوطني، والمؤتمر الدستوري، وحزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي، وباستثناء الأخير فإن الصراع ظل بين الجميع على هذه التنظيمات تمحور على تأييد انضمام عدن للمحميات والرفض لهذا الانضمام.

إجمالاّ رغم النجاح التنظيمي والنقابي فإن جميع تنظيمات هذه المرحلة "بداية الخمسينات ونهاية الستينات" لم تكن قد بلورت ما ينبغي من الرؤية الوطنية والثورية فما زالت في إطار التخلف والتشكل. لكنها رفعت السقف والوعي وأصبحت تطالب بالاستقلال وليس بالحكم الذاتي.

فجميع هذه التنظيمات تنشد الاستقلال عن طريق التفاوض لا الثورة المسلحة. باستثناء "الاتحاد الشعبي الديمقراطي" وجمعيات صغيرة تعبر عن امتداد لرابطة أبناء الجنوب بالمطالبة بالحكم الذاتي على مستوى أضيق.

موسم الثورات والانقسامات

كانت الستينات هي موسم الثورات ففي 62 انفجرت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وإذا كانت هذه الليلة هي ثمرة لنضالات متعددة المشارب أهمها: الضباط الأحرار، وحركة الطلاب، والانتفاضات الشعبية، تجسدت بعد هذه الليلة عدة انقسامات مختلفة:

- انقسام الجيش وانقسام اجتماعي وشعبي.. فكان المعسكران الجمهوري والملكي أقرب التوازن بنقاط القوة الداخلية والمساندات الدولية.

- انقسام داخل الصف الجمهوري وتعود بذرة هذا الانقسام لعدة أسباب قد تكون أهمها وأولها للفجوة الكبيرة بين الجيل الثوري الجديد الذي فجر الثورة وبين الدستوريين، ورغم أن قيام الجمهورية كان أكبر من خيال الدستوريين فقد أعلنوا تأييدهم للجمهورية وتم تنصيبهم وزراء، فقد كان أول تعقيد في طريق الجمهورية الوليدة كفيلا بأن يشعل الفجوة الجمهورية داخل أجيال الثورة، وليس مواجهتها وحلها، وهكذا انقلب الزبيري والنعمان إلى معارضين في ظل تعقيدات جسيمة على عدة مستويات.

14 أكتوبر الصراعات التي سبقت الثورة

جاء المؤتمر العمالي على أنقاض موت الرابطة وسعى لتطوير نفسه والبحث عن اسم جديد يعبر عن المرحلة فكان اسمه الجديد "حزب الشعب الاشتراكي" عام 62م وكان أقرب للبعث، ومن هذا التنظيم جاءت "جبهة التحرير الوطنية" مكونة عن عدة توجهات تنظيمية: حركي، بعثي، أممي. وفي عام 64 ذهبت الجبهة للتفاوض مع المحتل، ولم يكن يؤثر في الأمر الشقوقات الصغيرة بالجبهة. لكن الوضع تطور في 65 بحيث انشقت الجبهة إلى جبهتين: جبهة التحرير، والجبهة القومية. وتعمقت الخلافات حول طريقة التعامل مع المحتل.

على طريقة الثورة في صنعاء فجرت "جبهة التحرير" الثورة في عدن. بينما عملت "الجبهة القومية" على تفجير الثورة بالريف فانطلقت من "ردفان" إلى عدن.

كان الخلاف بين الجبهتين في تلك المرحلة هو خلاف متعدد الأوجه تنظيمات اليسار وتوجهاتها المختلفة والمتناقضة، اليسار الشيوعي واليمين القومي، الاشتراكية العلمية والأممية، لكن لم يكن الخلاف قد نضج تماما على مستوى الاتجاهات السياسية فما زالت هنالك عدة عوامل أخرى مؤثرة في هذا الانقسام الحاد والصراعات العنيفة، وعلى كل أثمرت هذه التناقضات في إنجاج الثورة عسكريا بنضالات الجمعية، وفي المرحلة الثانية نضج الصراع على أساس التوجهات السياسية فقط كصراعات بين أفكار اليسار ونظرياته واليمين القومي، وفي المرحلة الثالثة كان الصراع داخل اليسار الاشتراكي نفسه بين المعتدلين والراديكاليين. وفي المرحلة الأخير كان صراع الراديكاليين والانتهازيين دون قضية بعد أن أجمعوا أمرهم على قتل سالمين الذي كان يمثل أقلية داخل الاشتراكي، حسب ما قاله جار الله عمر.

نعود للمرحلة الأولى من الصراع بين الجبهتين، وهو صراع أكثر رعباً وغرابة، فقد اقتتلت الجبهتان مع بعضها ومع المحتل بنفس الوقت.

قاتلت الجبهة القومية الاحتلال بالريف وحين وصلت عدن كانت تخوض معاركها مع الاحتلال ومع جبهة التحرير في الوقت نفسه. وهكذا هي جبهة التحرير كانت تقتتل مع الاحتلال ومع الجبهة القومية بنفس الوقت.

العلاقة الفعلية بين سبتمبر أكتوبر

تطورت العلاقة بين سبتمبر وأكتوبر بتطور الحركة الوطنية الثورية عبر مراحلها المختلفة حتى تشابهت المسارات والأحداث بملامحها العامة بقدر ما اختلفت في التفاصيل. وسوف نستعرضها بالتدرج بالمقالات القادمة.

وقبل أن نختم هذا المقال حسبنا بأن نشير أن أول العلاقات الفعلية بين سبتمبر وأكتوبر حيث تواجد ثوار من الشطر الجنوبي يقاتلون مع ثورة سبتمبر، وثوار من الشمال يقاتلون مع أكتوبر، وكما انعكست الصراعات الداخلية على طبيعة العلاقة بين الشطرين، فقد تعززت العلاقة بين الشطرين وبين روحي سبتمبر وأكتوبر في عهدي الحمدي وسالمين حتى نال كل منهما نهايته بسبب الآخر. وتعددت بعدهما الانقسامات العبثية والصراعات والتحالفات العبثية التي دمرت الجنوب والشمال.

...يتبع

ملاحظة: مراجع المقال في قراءة الوقائع والأحداث التاريخية كتابا: اليمن الجمهوري للبردوني - تاريخ اليمن المعاصر، لمجموعة مؤلفين سوفيت.