من باب الذكرى التي تنفع المؤمنين، جميل جداً أن نتذكر كم من الحروب الدينية والقومية بين الأقوام والدول قامت عبر التاريخ… قبل الديانات الثلاث وإلى يومنا هذا!
جوهر الصراع والحروب هو اقتصادي أولاً وقبل كل شيء، للاستيلاء على خيرات أبناء قوميةٍ أخرى أو شعبٍ آخر.. تارةً تحت شعارات دينية، وتارةً وراء شعارات قومية، تتخفى خلفها مطامع لا حدود لها، أو أحقاد ومخططات انتقامية كما تتعرض له منطقتنا العربية عموماً، واليمن على وجه الخصوص، حيث يراد له أن يكون خنجراً في خاصرة الأمن القومي العربي وإساءة وضرراً لدول الجوار، وهذا بالطبع ليس لليمن فيه أي مصلحة إنما هي مصالح دول اشترت جماعتي الإسلام السياسي في اليمن (الحوثي، والإخوان).
ولمعالجة ما تتعرض له اليمن والعراق ولبنان وحتى سورية من مسخ إيراني غير مسبوق، وتمزيق مذهبي غير مألوف، علينا جميعاً أن نعمل لبناء دولة المواطنة في هذه الأقطار المنكوبة بالوباء الذي نشرته إيران وجماعة الإخوان المسلمين، فلو أرادت الشعوب أن تبقى وتساير الأمم الأخرى في ركب الحضارة أو لنقل في الحياة بكرامة وأمن واستقرار، عليها أن تبحث وتلتف حول قيادة وطنية صادقة مؤمنة بالوطن ومستقبل الشعب ليتحقق بناء دولة يلتغي فيها كل أشكال التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو القومية أو الجنس (المرأة والرجل) أو الفكر، أو لون البشرة، أو السلالة (سيد، وقبلي... وغيره).
ومما لا شك فيه أن اليمن ومنذ فترة لا بأس بها وخصوصاً بعدما يسمى (الربيع العربي) انتهى مفهوم الدولة الوطنية ودولة المواطنة بسبب ما أفرزته جماعات الإسلام السياسي (حوثيين، وإخوانيين) من مفاهيم مغلوطة بل وعداء حتى لفظة (الوطن والوطنية) ويظهر هذا جلياً في أدبيات الحوثيين، وأيضاً الإخوان أتباع التنظيم العابر للحدود، الأمر الذي جعل التشويه للدولة الوطنية أو دولة المواطنة يحقق مبتغاه، ولذا يجب على الكتّاب والمثقفين والأحزاب التي تحمل بذرة وطنية أن تعمل على تصحيح المفاهيم حتى لا تتسع الهوة وتزداد الفجوة المعرفية التي يتم تعبئتها بالمفاهيم الدينية المتطرفة.
إن دولة المواطنة تحمي انتماء الإنسان إلى قوميته دون أي اضطهاد من قبل السلطة السياسية ومن قبل أبناء أي سلالةٍ أخرى. وتضمن لكامل أبناء الوطن التمتع بحقوق المواطنة المتساوية، كما تضمن استمرارية العادات والتقاليد، بعيداً عن الإساءة إلى أحد على أساس عرقي أو ديني أو مذهبي أو سياسي، كما أن دولة المواطنة ليست ضد الدين أو مذهب معين كما تروج له (ملازم الحوثيين) وأدبيات الإخوانج، بل هي الضامنة لحقوق الأفراد ومعتقداتهم وتكفل حريتهم في ممارسة التقاليد والشعائر الدينية، بشرط أن لا تمس بحقوق وحريات الآخرين.
ومن الضروري التوضيح بأنه في ظل قوانين دولة المواطنة يتم إلغاء امتيازات المتنفذين ومنع استغلال السلطة وسوء استخدامها، كما تلغي سيادة الدجالين المستغلين للدين ممن يسمون أنفسهم (رجال دين أو زعماء جماعات) وتجعل الدين نقياً بعيداً عن أي استغلال سياسي أو تحويله لمقصلة تحز رقاب المخالفين.
بالخلاصة: لا حل لتقدم بلادنا والبلدان الموبوءة بالتمدد الإيراني والإخواني سوى في بناء دولة المواطنة، وممارسة الديمقراطية وحقوق المواطنة على الأرض قولاً وفعلاً، فلا أحد فوق القانون، ولا سقف يعلو سقف الوطن، مساواة وعدالة، وكما قالت الأصيلة اليمنية (سوا سوا يا عباد الله متساوية، ما حد ولد حر والثاني ولد جارية)..