عندما قامت ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 في صنعاء، و14 أكتوبر/تشرين الأول في عدن 1963، لم تكن حركة «الإخوان» المسلمين قد أسست فرعاً لها في اليمن، لكن بعض الشباب الدارسين في الخارج كانوا قد انتسبوا إلى الجماعة، ولسوف يعودون إلى اليمن ويخوضون حرباً ضد الثورة لم يزل ضرامها مشتعلاً حتى اليوم.
في فيديو مسجل لأحد شيوخهم في تعز، قال: إن ثورة 26 سبتمبر عبارة عن صنم يعبده الجاهلون، وإن حركة «الإخوان» المسلمين في اليمن ما قامت إلا لتكسير هذا الصنم، ويذكر عبد المجيد الزنداني وعبده محمد المخلافي كمؤسسين للحركة، الأول طالب فاشل في كلية الصيدلة، أدى رسوبه المتكرر إلى فصله من الكلية، أما الثاني فلم يكمل الثانوية الأزهرية.
في مصر تعرف الشابان إلى الشاعر محمد محمود الزبيري، الذي كان يعارض الإمامة من القاهرة عبر تعليقات في إذاعة «صوت العرب»، وعندما عاد إلى اليمن اتصلا به وارتبطا معه بعلاقة وثيقة، ومن خلاله أقام صلات متينة بالشيخ عبدالله بن حسن الأحمر الذي سيلقي فيما بعد بظل ثقيل على السياسة في اليمن، وسيحتضن «الإخوان» ويشملهم برعايته.
روى لي مرة قيادي «إخواني» كبير انشق عنهم في مطلع الثمانينات أن الاستخبارات اعتقلت أحد عناصرهم، كان يعمل سكرتيراً خاصاً للشيخ الأحمر، بعد خروجه في إحدى الليالي سنة 1979 من سفارة أجنبية وفي سيارته حقيبة، وأنهم استعانوا بالشيخ فأجرى اتصالاً هاتفياً خرج بعده المعتقل في نفس الليلة.
لم يلبث المخلافي طويلاً في صنعاء فقد حصل على وظيفة مدرس في مدينة تعز مع عدد قليل عادوا من السعودية بعد أن التزموا هناك على أيدي مصريين نزحوا من بلادهم عقب الصدام مع النظام، على إثر محاولة الاغتيال الشهيرة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر في ميدان المنشية في الإسكندرية.
على يد هذه المجموعة التي تعمل في تدريس المواد الدينية واللغة العربية، بدأ نشاط «الإخوان» بصمت، لكن هذا الصمت سيتبدد ويعلو مكانه صراخ كبير بعد انقلاب 5 نوفمبر 1967 الذي أطاح الرئيس عبدالله السلال، والجناح التقدمي في النظام الجمهوري المتمسك بمبادئ الثورة المعلنة في 26 سبتمبر والمتحيز للعلاقة مع القاهرة، لصالح الجناح الداعي للتفاهم والتصالح مع الملكيين.
بعد الانقلاب عُيّن المخلافي مديراً عاماً للتربية والتعليم في محافظة تعز بديلاً لعبد العزيز الأغبري ذي التوجه الناصري، وكذلك استولت المجموعة على المركز الإسلامي الذي أنشأه المصريون لأداء رسالة دينية تحت إشراف التوجيه المعنوي في القيادة العربية؛ أي قيادة الجيش المصري في المحافظة.
هناك عزز المخلافي حضوره من خلال محاضرة كان يلقيها مساء كل خميس، كما أنه التزم على مدى الأسبوع جدولاً أعده لنفسه ولرجاله يتوزعون في المساجد لإلقاء خطبة بين صلاتي المغرب والعشاء، وكان أكثرهم تأثيراً وأظهرهم نظافة في ملبسه وهيأته، ولم يزل يشن أقسى الهجوم على السينما والغناء، فقد كان خطيباً مفوهاً وممثلاً بارعاً، فأمام اندهاش السامعين يُخرج من جيبه كتاباً بغلاف أحمر أنيق ويتساءل عما إذا كان هذا هو القرآن، ثم يفتح صفحته الأولى على صورة ماوتسي تونج، وكذلك ينهال على الشيوعية ويدعو الناس إلى الدين القويم.
كان زملاؤه يزيدون إلى الدعوة لمحاربة الشيوعية، الهجوم على طلاب المدرسة الثانوية ويصفونهم بأنهم شيوعيون ملحدون وفاسقون تنبغي محاربتهم، ولم يكن ثمة من سبب غير أن المدرسة الثانوية الوحيدة بالمدينة تعج بنشاط الأحزاب القومية واليسارية.
في المركز الإسلامي سيعلن المخلافي عن هيئة للوعظ والإرشاد الديني يزج فيها طلابه من المرحلة الإعدادية ومن الصف الخامس والسادس الابتدائي، وقد فرض عليهم أن يتوزعوا في المساجد لإلقاء خطبة بعد صلاة الجمعة يكتبها ويطبعها في مكتب التربية، ولم يكن الغرض في واقع الأمر أن يرشد الصبية آباءهم، بقدر ما قصد به الإيقاع بهم واختبار انضباطهم وتدريبهم على ما سيوكل إليهم في المستقبل.
ثم أخذ المخلافي ينشئ ما يشبه الجوالة بتنظيم الرحلات وإجراء مسابقات تركز على أن الإسلام هوية وأن الوطنية والقومية من المعتقدات الجاهلية. المخلافي سيموت في حادث موت عادي عام 1969، لكن «الإخوان» كتبوا في «ويكيبيديا» أنه مات مقتولاً..كذبة تأخرت عقوداً طويلة..
الزنداني قصة مختلفة.
*نقلا عن صحيفة الخليج الامارات