بشير عثمان

بشير عثمان

تابعنى على

مدارس صنعاء.. آباء يقتلون المعلمين!!

Saturday 21 December 2019 الساعة 09:27 am

لا يوجد في العالم قصة مشابهة لما يحدث في صنعاء.. الآباء لا يذهبون لضرب المعلمين وقتلهم، فقط يحدث في صنعاء.

والأمر ليس مجرد جريمة تحدث في أي مكان (كما زعم البعض وقمت بحظرهم) وهذا التبرير غير صحيح بالمطلق، فلم أقرأ في حياتي أن أباً لتلميذ ذهب لضرب المعلم أمام طلابه في أي مكان، لكن اعتدنا على سماعها في صنعاء كل فترة وأخرى، بل عايشناها في مدارس صنعاء، وكنا ونحن أطفال نسمع عن ذلك كثيرا، حتى إن معلمين كانوا يتجنبون بعض أنواع الأطفال (أطفال فوضويبن) تجنبا لمشاكل مع آبائهم، وخصوصا أبناء المناطق القبلية المعروف آباؤهم بأنهم مشايخ أو قادة عسكريون بلاطجة...

في الحقيقة عندما وصلت صنعاء صدمت بحجم التنمر في مدارسها، لقد بقيت لأيام كالأبله بينهم، وكنت أظل واقفاً بدون كرسي، كل شيء بالعراك والسباق للحصول عليه، كما أن الطلاب ليسوا مهندمين، والمعلمين لا يبالون بذلك.

لم اعتد في صفي الأول والثاني على ذلك، وكانت تجربتي من صف ثالث في مدرسة ابن ماجد في صنعاء لأول مرة سيئة.

لقد عدت إلى البيت وكل همي أن لا أعود إلى المدرسة مرة أخرى.

كنت طالبا خجولا وخائفا للغاية من الجو العنيف حولي، كنت أخاف من مجابهة أي طالب آخر، فلم اعتد على هذا الأمر، كما أن أقراني كانوا أكثر خبرة بقتال الشوارع ومعتادين على الأجواء هذه في صنعاء، وكونهم تربوا في حوافيها منذ نعومة الأظافر.

بدأت بتقييم الوضع وبحثت عن أكثر الطلاب نظافة وهنداما وأكثرهم طيبة، وللأسف لم أجد في الأسابيع الأولى، وأول من جلست بجانبه كان طالبا اسمه "دحان" وفي الحقيقة كان طيبا ولكنه متسخ للغاية، ولم أكن منسجما معه من هذه الناحية على الإطلاق.

في أحد الأيام وصلت وأخذت كرسي (بالاسبقية) ولكن أحد الأوباش أخذ مني الكرسي بقوة الذراع، وبقيت واقفاً في آخر الصف طوال اليوم.

بعد أسبوع، تقريباً، حضر أب ومعه ابنه وكان عاصم الشرجبي والذي أصبح صديقي حتى اليوم، كان أنيقا ووسيما ومهذبا (والأهم محميا بإخوانه الأكبر منه في المدرسة).

عاصم لطيف للغاية ووفي جدا في صداقته، كل ما أتذكره أنه كان في أي مشكلة يبحث عن أخيه الأكبر.

ثم تعرفت على أصدقاء آخرين وبدأت افهم النفسية الصنعانية والتي تنقسم إلى نوعين (تعز، وصنعاء) وهم غالبية الطلاب في كل المراحل ومن بينها مدرستي.

يتميز التعزي بانه اكثر لطفا ومسالما ومثابرا، ويتميز ابناء القبائل بالعكس (لكن الذكاء نسبي).

في السنوات التالية لم يحالفني الحظ لصداقة اي طالب من ابناء مناطق صنعاء القبلية.

تميزي كطالب متفوق على اقراني بقدر ما يجذب اصدقاء، الا انه ايضا يجلب اكبر البلطجية.

وبدات اواجه مأزق المتنمرين، وخضت اول قتال مدرسي فعلا، وبعدها تطورت كثيرا، واصبحت متألقا بالعراكات اليومية، في الحقيقة كانت مسألة وقت فقد اعتدت على البلطجة وقابلتها بالتحدي والمثل، بل احيانا استمتعت بها.

في الفترة ذاتها أو العام التالي توسعت دائرة معارفي وكان صديق الفصل سند ناصر منصور (ابن اخو الدنبوع) واصبحنا اصدقاء لا نفترق.

كان لطيفا ومستواه التعليمي متواضع، وعكسي تماما فانا اهم ما ميزني اني الاول واسعى لاكون الافضل بدون منازع وهو مهمل لواجباته المدرسية ومتطلبات طالب المدرسة.

ثم توافد إلى فصلنا طلاب ابناء قادة الحزب وبدات الدراسة تحلو وتاخذ طابعا اكثر راحة، لقد انضاف لنا الان "وهيب حسان، وماجد المذحجي، والذي اصبح رفيق طفولتي ودراستي اللاحقة حتى الاعداية، كان ماجد الطالب المثقف، تبادلنا ما نملكه من قصص ومن ثم روايات وكتب.

في تلك الفترة اصبحت اكثر جرأة وفهماً لشخصية الطالب في صنعاء، فهو طالب متنمر للغاية وعنيف، ليس الجميع بالطبع ولكن نتحدث عن ظاهرة في صنعاء، والأسوأ هو موقف الآباء، فكثير من الآباء يشجعون اطفالهم على العنف والبلطجة، ويدفعونهم لذلك بداعي القبيلة والرجولة وووووالخ، من المسميات المنحطة.

حضر آباء إلى مدرستنا واشتبكوا مع معلمين بألفاظ واحيانا شتائم وبعض الحالات وصلت للعنف المادي.

في الحقيقة هذه ظاهرة منتشرة في صنعاء وجزء من ثقافة المجتمع هناك، ومن العار التغطية عليها.

لقد ذكرت أصدقاء هنا وهم على صفحتي الآن وعايشنا معاً كل تلك الأيام والمراحل ولا تزال حاضرة في أذهاننا لليوم.

بعض أصدقائي اعتبرها أياما مريعة، وبعضهم أخبرني لاحقاً أنها تترك أثرا سيئا في نفسه.

تجربة الصراع في مدارس صنعاء بين الطلاب والمعلمين والآباء.

وهي تأخذ شكلا مناطقيا معتادا، والاستثناء نادر للغاية.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك