هبة البهري

هبة البهري

تابعنى على

الانتظار معركة وهمية!

Monday 23 December 2019 الساعة 02:23 pm

العُمر لا يبدأ من تاريخ ولادتك بل من حيث قرَّرت أن تجلس على الأرض كالطفل، وتضع ما تملك أمامك مستمتعاً به ومستخدماً إياه لمنفعتك وسعادتك.

"ابدأ حياتك الآن، فقد لا يسعفك الوقت ولا الظروف لبدئها لاحقاً"..

أخبرتها بحماسة عن تخفيضات ايكيا، متجرها المُفضَّل، لكنها أعادت على مسمعي جملتها التي حفظتها جيداً: "تعلمين أنني أحاول عدم شراء شيء لمنزلي الحالي، كونه مؤقتاً".

يبدو كلامها منطقياً، لكنه من غير المنطقي أن عمر منزلها المؤقت اثنا عشر عاماً!

تذكرتُ قريبتي الصغيرة حين اشترى لها والدها دراجة ورفضت استخدامها بحُجة أنها جديدة لا تريد إفسادها، وظلّت تستخدم القديمة بالرغم من كل مشاكلها ووقوعها المتكرر من عليها.

مثل هذا التفكير يدفع بالأشخاص إلى تأجيل الاستمتاع بالحياة انتظاراً للحظة مثالية موجودة فقط داخل رؤوسهم.

إنهم يتصوّرون أن الحياة ستطرق بابهم يوماً وفي يديها كل الأحلام التي أرادوا تحقيقها، وتقول لهم مبتسمة "يمكنكم الآن الاستمتاع بحياتكم، شكراً لانتظاركم".

لا وجود للحظة مثالية كهذه، حتى وإن وجدت فإنها في الغالب ستمرّ كما مرّ غيرها انتظاراً لشيء أعظم منها. كثيراً ما نتذكر أوقاتاً مرّت ونتفاجأ كيف أنها كانت رائعة دون أن ننتبه لذلك وقتها.

كلنا نتخيّل أن أمراً ما ينقصنا الآن، لكن هذا الأمر سيظلّ ناقصاً للأبد؛ لأن قائمة أحلامنا تتجددّ كلما حققنا واحداً منها.

الفتاة التي تعتقد أنها ستتنهّد بارتياح حين تتزوج، ستفكّر في حلم إنجاب طفل حالما تفعل. وحين يصبح طفلها بين يديها، تريد أن تراه عريساً ثم ترغب في رؤية أبنائه.

الرجل الذي يحلم بوظيفة تضمن له استقراراً وأماناً، ستشغل تفكيره الترقيات والعلاوات ومواعيد الإجازات حين يحصل عليها. بل إنه في مرحلة متقدّمة سيبدأ بالتفكير في حلم التقاعد والهدوء والاسترخاء من العمل الذي لطالما أراده.

النظر لأبعد مما لدينا هو الوقود الذي يحرك بني البشر للتقدّم والاستمرار. لكنه يجب ألاّ يحرمهم من بدء حياتهم والعيش فيها والاستمتاع بما يملكون.

البعض يولد ويموت دون أن يعيش حقاً.

يفني عمره ما بين ادّخار وانتظار ورفض للراحة؛ لأنه يعتقد أن هناك لحظة سرمدية سيكون كل شيء فيها مثالياً وتتوقف فيها الأرض عن الدوران لأجل أن يستمتع هو!

احصل على ما تريد في منزلك حتى وإن كان مؤقتاً، فإن المال الذي ستنفقه هو ثمنٌ بخس لقاء سعادتك حتى وإن كان عمرها يوماً واحداً فقط.

العب مع طفلك الصغير ومارس أبوتك لأقصى درجة دون أن تنتظر أن يكبر قليلاً ويكفّ عن البكاء؛ فإنه حين يكفّ عن ذلك سيبدأ همّ دخوله المدرسة وأمور أخرى لا تشبه لذة الوصول التي تخيلتها.

تُخبره قائلة: عزيزي لقد حلَّ الخريف مِن جديد،

فصل الحنين والرحيل..

وما زال ظلك بعيداً عني..

أوراق عمري تتساقط ورقةً ورقة،

و ما زلت أنتظر قدومك..

أخاف أن يكون عمري خرِيفاً تلو الخريف ولَا ربيع يأتي.. العالم يدور مِن حولي،

وأنا ما زلت أدور حول ظِلك..

أَفتَقِدك جداً.. أخبرني.. متى سينتهي الخريف؟!

فيُخبرها: سينقشع الخَريف، ويأتي الربيع..

لأستريح في ظلك بعد عناءٍ طويل، لأكون ورقة من أوراق زهرتك مثنيّ عن العالم..

سأكون كشطر قصيدة كتبها متسكع شارد الذهن بقت ترتاد أفواه الناس لقرون عدة..

"فأنتِ وحدكِ زمن كامل، والبقية كلهم أوقات مستقطعة من العمر"..

ولمعركة الانتظار بقية..