عبدالفتاح الصناعي
عودة الصراع بين أوباما وترامب مرة أخرى!
منذ بدايات "أوباما" السياسية كان ناقدا كبيرا ومعارضاً صريحاً لإدارة بوش، وعبر عن هذا خصوصا في كتابه "جرأة الأمل لاستعادة الحلم الامريكي" كما قال عن نفسه بأنه لم يترك أي مناسبة إلا ووجه نقده واعتراضاه على سياسة بوش، ولكن يقول ان هذا لا يعبر عن اي خصومة او عداء شخصي وانما على إدارة الملفات.
الانهيار والتخبط الذي حدث بعهد بوش أعطى القاء كبيرا لأفكار أوباما المغايرة، فاستطاع اوباما بأن يحدث فارقا هائلا ومعاكسا، فصنع بدل اليأس أملا، وبدل الهمجية مراجعات واعتبارات اخلاقية، كما تميز أوباما بقدراته الفائقة والمذهلة على احداث التأثير الكبير بخطاباته على المستوى النخبوي والشعبي.
عمليا، مرحلة اوباما لم تكن بمستوى ما ضخت من أمل ورؤى وخطابات، ولكنها ايضاً بنفس الوقت أحدثت تغيرات جذرية وبعضها سطحية، وأغلب مشاريعها الاستراتيجية تعثرت بشكل كبير جدا، لكنه بالأقل أوقف التطورات السلبية.
عبر أوباما عن رؤية المثقف الأكثر رقيا، والسياسي المحنك الذي صنعته الآلام والآمال وعجنته المعاناة والأحلام.
امتد التأثر بأوما من امريكا حتى جميع دول أوروبا، ووصل جميع الشعوب، وكان الاهتمام به كظاهرة سياسية فريدة، ولم يكن الاعجاب بشخصيته كرئيس أمريكا وانما كشخصية سياسية وأدبية تتمع بقدرات مذهلة، وخصائص ومزايا شخصية رائعة، وقصة تحكي شجونا وطموحا تستحق الوقوف عندها والتأمل فيها، وكان قد كتب هذه القصة في روايته "أحلام من أبي قصة عرق وإرث" التي أصدرت في التسعينات.
أوباما كان بمثابة فاصل إعلاني جميل بين مرحلتين سيئة جدا، قبله بوش، وبعده ترامب.
رغم نضالات الحزب الديقمراطي في القضايا الهامة والمصيرية، لكنه حقيقة يمر بأزمات عديدة، وذلك بالاتجاه نحو النخبوية المفرطة، وكان أوباما الحالة الاستثنائية لهذا، بأنه استطاع مخاطبة قمة الهرم النخبوي والثقافي على أرفع مستوى وبنفس الوقت مخاطبة الانسان الامريكي العادي والقدرة على التواصل معه دون تعقيدات.
على كل فإن هذه الأزمة التي يعاني منها الحزب الديمقراطي، افسحت المجال لصعود شخصية شعوبية لها قدرة على مخاطبة الانسان البسيط، حيث استطاع ترامب التغلب على كلينتون.
كان أوباما أيضاً قد تغلب على هيلاري قبل ذلك، وبعد وصوله الرئاسة جعل منها وزيرة خارجيته، ولم تكن أكثر من محاولة للتعبير عن رؤية أوباما.
شن ترامب كثيرا من السخرية والاستهزاء بأوباما، رد ترامب وهو لا يزال رئيسا في خطاب رسمي "بأن شخص لا يستطيع التحكم العقلاني بتغريداته كيف بإمكانه أن يحكم أمريكا؟"
على الأرجح بأن أوباما كان يستبعد تماما فوز ترامب، وحين فاز، قال أوباما ان الضعف في أداء هيلاري هو السبب الرئيسي لفوز ترامب، فهي لم تستطع مخاطبة الشعب الامريكي بالشكل المطلوب، وسمى ترامب انه نقيضه، وبأنه لو كان الامر متاحا دستوريا لمنافسته، لكان ان الشعب الامريكي صوت له "أي لأوباما" وهو بهذا يحمل المسؤولية هيلاري والحزب والديمقراطي وليس الانسان الامريكي البسيط الذي لم يجد من يخاطبه بقضاياه حتى أصبح ضحية لترامب.
في زيارة ترامب الى بيت الأبيض بعد فوزه بالرئاسة، قبل التنصيب، استقبله أوباما بجدية ولطف، وقال انه مستعد لمعاونته وتقديم الاستشارة له، تلقى ترامب الأمر باللامبالاة وسخريته المعتادة بنوع من التهجم، فحين تم توجيه له سؤال بالمؤتمر الصحفي الذي جمع الاثنين في هذه الزيارة "ماذا تقول لأوباما" رد "أقول له بوباي أوباما".
بدأت أزمة ترامب مع المؤسسات الصحفية والإعلامية الامريكية الشهرية، على عكس احتفالها بأوباما والوقوف معه وتأييد سياسته، والأضواء عن شخصيته وحياته، والأمل العظيم الذي جاء، كان نقدها لترامب، وبالأقل تجاهله كرئيس، كما خاض أشهر الأقلام الامريكية التي كانت الصوت المرتفع تأييدا لأوباما، لتكون الأكثر ارتفاعا ضد ترامب. كفريدمان ايضا كانت هنالك صحف صفراء عادت أوباما الى حد ان إحداها وضعت أوباما على صورة قرد، وهكذا احتفت هذه الصحف بترامب.
الغريب بالأمر هو طريقة مواجهة ترامب لهذه المؤسسات الاعلامية التي تقف ضده أو تتجاهله على الأقل.
كانت زوجته قد سرقت خطاب زوجة أوباما وألقته بالنص، وتجاهلت هذه الصحف حتى التعليق على سرقة الخطاب المعروف لزوجة أوباما.
لكن ترامب في ذات لقاء له مع هذه المؤسسات الصحفية، قال لهم بمعنى كلامه، أنتم تعارضوني وتقفون ضدي حتى وإن عملت شيئا صحيحا، وأعطيكم مثالاً وبرهاناً على ذلك. "حين ألقت زوجة أوباما الخطاب عن زوجها كتبتم عنها وعن عظمتها وقوة خطابها، وحين جاءت زوجتي بنفس الخطاب تجاهلتم الأمر" وهنا أصيب الصحفيون بنوبه من الضحك الهستيري.
مر ويمر هذا الصراع: بين رؤية أوباما، ورؤية ترامب بالعديد من المراحل والمنعطفات، وكلما هدأ عاد مجددا بطريقة أعمق. وهو اليوم يبدو صراعا متقدما ليس بين الرجلين كأشخاص وإنما ما يمثلان من الآراء والتوجهات والانقسام الامريكي النخبوي حول هذه الأمور لا سيما مع الأحداث الجديدة..