د. صادق القاضي
سيناريوهات نهاية العالم: "كورونا" كجرس إنذار!
من السيناريوهات الأكثر وجاهةً لنهاية العالم أن تأتي على شكل وباء فتاك شامل.. يطهر الأرض من البشر، ويعيد للبيئة توازنها المختل بسبب الإنسان.
"النهاية النووية" واردة أيضاً، لكن باحتمال أقل مقارنةً بـ"النهاية الوبائية". ما دام الإنسان يمسك بالزر النووي، بينما الفيروسات والبكتيريا خارجة عن السيطرة.
الحروب بصيرة لكن الأوبئة عمياء، وطوال معظم التاريخ البشري كانت الفيروسات والبكتيريا أسرع في التطور من الأسلحة.
ثُمّ سبق للأوبئة أن مارست الإبادة الجماعية ضد البشر، في أماكن متفرقة، وفي عصور كانت فيه قدرات البشر وإمكاناتهم الطبية والصحية.. لا شيء تقريباً مقارنة بنظائرها في العصر الحديث.
بعضها كان أسوأ بكثير من وباء "كورونا"، كـ "طاعون جستنيان" "541م" الفظيع. الذي اجتاح العالم في القرنين السادس والسابع للميلاد، وحسب المؤرخين فقد بدأ ذلك الوباء من صعيد مصر، ثم انتشر في المدن الساحلية للبحر الأبيض المتوسط، ومنها، اتجه شمالاً، واجتاح الامبراطورية البيزنطية، وأوروبا، وصولاً إلى أقصى الشمال، الدنمارك وغرباً إلى أيرلندا.
كما اجتاح شرقاً الإمبراطورية الفارسية الساسانية، على الأقل، وعموماً طال العراق والشام ومصر وشمال إفريقيا، ولا بد أنه داهم مراراً سكان الجزيرة العربية، وإن كانت أول حالة موثقة له في التراث العربي، هي ما تُسمى بـ"طاعون عمواس" "18هـ. 640م".
باختصار، كاد هذا الطاعون أن يفتك بالبشرية، وإجمالاً: فقد حصد خلال قرنين، أرواح أعداد هائلة من البشر، وتُقدر ضحاياه من كل الأمم، بنحو 25-50 مليون شخص، وهو ما يعادل 13-26٪ من سكان العالم في ذلك الوقت.
كانت ملايين الضحايا تلك مناسبة كثمن لدرس يتعلمه العالم خاصة تجاه الحرب، لكنه لم يتعلم شيئاً، لا من ذلك الوباء، ولا من عشرات الأوبئة اللاحقة، كـ"الموت الأسود" الذي داهم أوروبا في القرن الرابع عشر، وقتل ثلث السكان، وبشكل أقرب وأعنف "الانفلونزا الإسبانية" التي قتلت أكثر من عشرين مليون شخص في نهاية الحرب العالمية الأولى.!
العالم اليوم بات أفضل من أي وقت مضى، خاصة في مجالي الطب والصحة.. والتنبؤ العلمي بالمخاطر الوبائية.. حتى إن بعض العلماء تنبأ بوباء فيروس "كورونا" بالذات.!
إذاً، لماذا لم يكن العالم مستعداً لمواجهة هذا الوباء؟!
ببساطة، لأن العالم لم يصبح أنضج، فرغم كل شيء ما تزال الدول والحكومات منشغلة بشكل مبالغ فيه بالقضايا السياسية والعسكرية أكثر من الجوانب الصحية.!
حتى كُتّاب الخيال العلمي قرعوا أجراس الخطر من كارثة وبائية مماثلة. فضلاً عن العقول الكبيرة على رأسها "بيل جيتس" مؤسس "شركة مايكروسوفت". الذي قال قبل سنوات طويلة متنبئاً:
"إذا كان أي شيء سيقتل أكثر من 10 ملايين شخص بالعقود القليلة القادمة، فمن المرجح أن يكون فيروس شديد العدوى، وليس الحرب. ليست الصواريخ، وإنما الميكروبات. جزء من السبب وراء ذلك، استثمارنا لمبالغ ضخمة من أجل الردع النووي، ولكننا لا نستثمر سوى القليل جدًا في إيقاف الأوبئة".!
في كل حال لن يكون وباء كورونا أخطر من سابقيه، لكن كان بالإمكان أن تكون خطورته وأعداد ضحاياه أقل بكثير. وعموماً سيهون كل شيء لو أن هذه التجربة القاسية علمت العالم كيف يهتم بحماية الحياة أكثر من اهتمامه بتطوير وسائل الموت.
بهذا فقط يمكن للعالم إلغاء سيناريو "النهاية النووية" للبشرية، وبالتأكيد إلغاء سيناريو "النهاية الوبائية"، أو على الأقل جعله أقل احتمالية من سيناريو "النهاية النيزكية" التي سبق أن أبادت الديناصورات.