من وُجهة نظر فيروس "كورونا": جحيم اليمن جنة عامرة بالملذات، وخالية من المنغصات، ليسرح ويمرح ويعربد فيها كما يشاء، ويتخذها مستوطنة دائمة.
من وُجهة نظر المرضى: الطب "خيمتنا الأخيرة". الأطباء هم فرسان هذه المعركة، مهمتهم مقدسة، والتهرب منها جريمة من الكبائر الوطنية.. قياساً بـ"التولّي يوم الزحف" إحدى الموبقات السبع في الإسلام.
من وجهة نظر الأطباء: الفيروس جديد، واليمن بلا دولة ولا بنية صحية.. من الصعب على "ملائكة الرحمة" أن تقاتل بلا سيوف ولا دروع.. في معركة غير متكافئة على الإطلاق.!
تبعاً لذلك. حتى الآن أغلقت أربعة مستشفيات، على الأقل، أبوابها في عدن، واختفت طواقمها الطبية. وامتنعت مستشفيات أخرى عن استقبال حالات مشتبهة بهذا النوع.!
لاستيعاب القضية من المهم التفريق بين الطب والصحة:
الطب علم يتعلق بدراسة المرض، واكتشاف عقارات وأدوية وأمصال لعلاجه، ومشكلة فيروس "كيوفيد19" جديدة على العلم، وهي عموماً مشكلة العالم كله.
- في المقابل، الصحة سياسة، وتتعلق ببناء وتوفير المؤسسات والمرافق والمستلزمات والأدوات والأدوية الصحية، ومشكلتنا الصحية في اليمن تخصنا وحدنا.
خلال السنوات الماضية دمرت السياسة البنية التحتية لكل شيء تقريباً بما فيها البنية الصحية، وإنهاك الشعب بالحروب والصراعات والفقر والخوف والجوع والأوبئة المستجدة والغابرة.
هذه هي الظروف المثالية بالنسبة لأي وباء قديم أو جديد. الدولة غائبة والمؤسسات الصحية مدمَّرة، ولا شيء يمكن أن يصد الوباء باستثناء الإجراءات الوقائية الفردية.
القضية طبية علمية. نعم. لكنها في اليمن سياسية في المقام الأول.. ومن وجهة نظر السياسيين: زعماء الطوائف وأمراء الحرب.. يمكن توظيف هذه الجائحة الطارئة لخدمة الأولويات السياسية والعسكرية والمالية.. لكلٍ منهم..!
حتى على افتراض حسن نوايا سلطات الأمر الواقع الحاكمة في اليمن. لا يمكن لهذه السلطات المتناحرة -كلٍّ على حدة- أن تحقق أيّ إنجاز مهم في تحجيم آثار وتداعيات الجائحة.
فقط، إذا اجتمعت مع بعضها وفق أيّ صيغة معقولة وجادة من التنسيق والتعاون المشترك، يمكنها معاً أن تنجح في جعل أضرار هذا الوباء أقل من أضرار الحرب.
ليس المطلوب منها أن تتخلى عن صراعاتها وقضاياها العبثية.. لكن تنحيتها جزئياً ومؤقتاً. وبما يتيح مساحة للتكامل الفعّال في الحد من انتشار هذا الوباء وعدد ضحاياه.
لا نعرف ما هي وجهة نظر سلطات الأمر الواقع في تعز وعدن وصنعاء ومأرب وحضرموت.. حول هذه النقطة، إلا أن بإمكانها فعلها. على الأقل للتكفير عن بعض أخطائها وخطاياها في حق "الشعب اليمني" طوال الأعوام السابقة.
بالمناسبة ليس لـ"الشعب اليمني" -كرهائن لدى سلطات الأمر الواقع- وجهة نظر محددة، فهو من جهته مهتم ولا مبالٍ.. ومتشرذم.. ويبدو أنه كالعادة سيستسلم، ويسلّم الضريبة مضاعفة، ويَخرج من هذا الوباء بـ"مناعة القطيع".