‏نهلة جبير

‏نهلة جبير

الكنتور يغزونا

Tuesday 15 September 2020 الساعة 05:26 pm

‏كائنٌ جديد يغزو العالم، حتماً لاحظتم أن النساء أصبحن قريبات الشبه ببعض، عمليات التجميل التي راجت خاصة في العقود الأخيرة، اليوم أصبح لها بديل _ الكنتور _ بتكلفة ‏(صفر) وتتبارى كبريات شركات منتجات التجميل في تحسين هذا المنتج السحري، إذ، يعمل هذا المنتج ببساطة على تكييف الوجه والجسم وفق الشكل المرغوب، تصغير، تكبير، تضخيم، تنحيف، تضليل، رسم، كل العمليات التي يمكن أن نتخيلها وهو ليس حكراً على عالم المرأة، بل يستخدمه الرجال لذات الأغراض حتى في تكوين عضلات الصدر والذراعين، وبداية استخدامه كانت لأغراض فنية تتعلق بالسينما، تصغير عمر الممثل أو تكبيره، أو لمقاربة الشبه بين ممثل وآخر، لأغراض فنية بحتة تتعلق بمضمون الحبكة الدرامية للمشهد، هذا ما يسمى تمويها ولو مجازاً، لأنه يظهر صورة غير واقعية للمثل، لكنها ضرورية ليكتمل المشهد بعناصره، البصرية والدرامية والفنية وغيره، لنقف هنا تحديداً، ما الحبكة الدرامية في حياتنا الواقعية التي تستدعي استخدامنا لهذا التمويه؟!

‏الحقيقة أننا غير راضين عن واقعنا ولا أشكالنا ولا كياننا، نبحث عن النموذج المثالي لنكون نسخته، نقص في دواخلنا نملؤه بالتمويه، لنحقق رضا ولو مؤقت، وفي مرحلة من المبالغة في استخدامه، يتحول فعلنا هذا إلى نوع من الكذب، نعم إنه كذب، خداع، نرى وجها بشكل ما، وعند إزالة المساحيق عنه يظهر الوجه الحقيقي المغاير تماماً، مع ذلك يستمر الجميع في تناول هذا الأمر وتقبله، رغم إدراكنا بأنه كذب صريح، ليست الوجوه وحدها من تكذب!!

‏_الكنتور _ هنا ليس مادة، بل صورة مجازية لفكر يستفحل بيننا وملازم لنا جميعاً، الساسة، الحكومات، الشركات، والأفراد العاديين.

‏ولأكن أكثر دقة في طرح الفكرة، ما يحدث أننا نصبح نسخاً لنموذج واحد (مثالي) لكن غير حقيقي، ينعكس ذلك على وعينا الجمعي، وبإسقاط هذه الصورة على كل ما يدور حولنا، نجد الكل متشابهين، الأفكار تتشابه، الأذواق، المنتجات، السلع، مخرجات التعليم، القوالب الفكرية الجامدة، الثقافة، الكتب، الشعر.....الخ الخ الخ!

‏ما الجديد؟!
‏يختفي الاختلاف، والتفرد، ويحدث تمييع للشخصية، وهنا لن نجد القيمة في كل ما ينتجه العقل البشري، هل لاحظتم غياب الشخصية المؤثرة ذات البصمة كما كان الحال في بداية القرن!!

‏الكتابة، الشعر، الغناء، الألحان في انحدار متوالٍ باستثناءات بسيطة، ينطبق ذلك على الساسة والقادة وغيرهم، ‏اللهجة المصرية تشخص هذا الوضع بمفردة بسيطة (غاغة-معمعة) أي، عشوائية لا تقود لشيء!!

‏يتجه البعض إلى اتهام الماسونية، بأنها وراء ما يحدث حتى تتمكن من السيطرة على العقول ونيل السلطة المطلقة على الكوكب، لا أستطيع نفي أو تأكيد ذلك، لكني أرى أنها _الصيرورة _ النهاية الطبيعية للمجتمع الإنساني الذي فقد قيمه الانسانية بسلسلة طويلة من الانحدارات وهو يسعى خلف الاستهلاك المادي على حساب الانتاج الفكري.