د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

بمناسبة تصريحات "ماكرون": هل هناك "أزمة إسلامية".. وما العمل؟!

Thursday 08 October 2020 الساعة 10:16 am

من الطبيعي أن يثير انتقاد نوعي من مصدر مهم، كتصريح الرئيس الفرنسي "ماكرون" مؤخراً، بشأن "الأزمة التي يعاني منها الإسلام في كل مكان في العالم"، حمية وغضب أغلب شرائح ونخب العالم الإسلامي.

القضية حساسة. هناك أزمة فعلاً.. بل مشكلة وجودية كبرى، مزمنة ومستفحلة أغرقت ماضي وحاضر العالم الإسلامي بالتخلف والانحطاط.. والاستبداد والقمع.. والجهل والفقر.. والتطرف والعنف والإرهاب.. إلخ إلخ.

القليل، فقط، من تداعيات هذه المشكلة يصل إلى الغرب، وبالمناسبة كل ما يهم الغرب من الجحيم في العالم الإسلامي، هو أن لا تصل بعض شراراته المتطايرة إليه، وتهدد حاضر ومستقبل مجتمعاته المعاصرة.! 

لا يأبه الغرب أن تظل مشاكل "المشكلة الإسلامية"، كالإرهاب مثلاً، محصورة في خارطة العالم الإسلامي الذي لا يأبه بدوره بحل مشكلته، وجسر الفجوة الحضارية المتزايدة بينه وبين العالم المعاصر.!

في الأغلب لا يجرؤ أحد على مقاربة هذه المشكلة، وفي أحسن الأحوال، يقترح بعضهم لحلها أو ربما للتهرب من حلها، فتح باب الاجتهاد وفق الشروط والمعايير الأصولية للاجتهاد.!

لكن المشكلة لم تعد أصلاً في الجزئيات والتفاصيل.. بل في الأسس والأصول.. بما يقتضي -لتطبيع علاقة الإسلام والمسلمين بالعصر والحياة- القيام بمراجعة جذرية شاملة للإسلام والتراث الإسلامي، كما حدث لليهودية والمسيحية في العصر الحديث.

ستبدأ العملية بالضرورة من النصوص المقدسة نفسها، ويُفترض أن تتضمن المخرجات على الأقل:

- الفصل بشكل حاسم بين الديني والدنيوي، ووضع حد نهائي لإقحام الدين بشئون السياسة والاقتصاد والطب والفلك.. وكافة المجالات المعرفية والأنشطة الدنيوية الخالصة.

- التخلي عن فكرة أن هناك شيئاً اسمه "شريعة إسلامية" محددة، وأنها شمولية شاملة صالحة لكل زمان ومكان.

- التخلي عموماً عن كل ما لم يعد ملائماً للعصر، حتى لو ورد فيه نص، وهو معلوم من الدين بالضرورة.

- استئناس قيم وآليات تشريعية جديدة، مستمدة من روح العصر، واحترام الشرائع الوضعية، والمواثيق الدولية على رأسها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

- إعادة النظر في كل ما يتعلق بالمرأة وغير المسلم من تشريعات وتصورات عنصرية.

وقبل كل شيء:

- تجريم العنف والإرهاب وأي محاولة توظيف للدين للحصول على مكاسب سياسية أو دنيوية من أي نوع.

- التوقف عن اعتبار الدين امتيازاً دنيوياً، أو سلطة لها جوانب إلزامية بأيّ درجة..

- إعادة الاعتبار للجانب الروحي والبعد الأخلاقي والفضيلة السلوكية، والضمير الفردي. والقيم الإنسانية.. في الإسلام.

- مأسسة المرجعية الدينية، وتنظيم عملية الإفتاء والاجتهاد والتحدث بشكل رسمي في الشئون الدينية.

- تكريس مبدأ أن غاية الدين هي الإنسان لا الله، وهدفه هو السيطرة على النفس لا على الآخرين.

بطبيعة الحال. هذا مطلب بعيد المنال في الظروف الراهنة.. لكنه يظل عملياً واستراتيجياً كمرحلة لا بد من عبورها تدريجياً في طريق الحضارة والحداثة والمعاصرة.