أرواد الخطيب

أرواد الخطيب

اليمنيات.. الثمن الباهظ للحرب

Saturday 10 October 2020 الساعة 01:50 am

والحرب في اليمن تدخل عامها السادس فإن النساء اكثر الفئات الاجتماعية التي تدفع ثمنها في مختلف الجوانب، رغم ان تأثير هذه الحرب كان مدمرا على جميع فئات المجتمع، غير ان المرأة كانت الاكثر تضررا، اكان ذلك في جانب التعليم أم في معدلات الاعالة أم الانتهاكات والعنف المنزلي إلى جانب خسارتها معظم المكاسب السياسية التي كانت تحققت خلال العقود الثلاثة الماضية.

منذ قيام الجمهورية ناضلت النساء في اليمن جنوبا وشمالا من اجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وكانت المرأة في دولة جمهورية اليمن الديمقراطية اكثر حظا منها في الجمهورية العربية اليمنية، في الجوانب الاقتصادية والمكاسب القانونية والمشاركة السياسية، لكن الغالب من النساء تحملن على مدى عقود ممتدة مسؤوليات اجتماعية واقتصادية بالغة القسوة، اذ ان وجود نسبة %70‎ في الارياف جعل معظم النساء يحرمن من التعليم كما انهن يعملن في الاراضي الزراعية إلى جانب الاعمال المنزلية وتربية الابناء.

ولان الاغتراب جزء اصيل من تاريخ اليمنيين، فإن السبعينات والثمانينات استقطبت مجاميع كبيرة من السكان الذكور للعمل في دول الخليج اثناء الطفرة النفطية، وتحملت النساء خلالها مسؤولية العمل في الارض ورعي الحيوانات وتربية الابناء ورعايتهم والاعمال المنزلية، أي انها تقوم بدورها التقليدي كامرأة إلى جانب ممارسة مهام رجلها المتغيب عنها وعن العائلة، في حين انها في كثير من المناطق تحرم حتى من ميراثها، ذلك الحق المشروع والمشرع، ونادرا ما تحصل على نصيبها من تركة الوالدين أو الزوج، وفي احيان اخرى يدفع لها مبلغ مالي للتنازل عن نصيبها من الارض..

اليوم والحرب قد تسببت في تشريد نحو اربعة ملايين، وجعلت نحو 16 مليون يمني يعيشون على المساعدات الاغاثية، تدفع المرأة الثمن الاكبر لاستمرار القتال، اكان ذلك من خلال النزوح القسري والعيش في مخيمات تفتقد لابسط الاحتياجات، أم بسبب تعرض عائل الاسرة للقتل أو الاسر أو انشغاله بالحرب في مناطق الصراعات، اذ ان غالبية الناس فقدوا اعمالهم، كما ان الصراع في شقه الاقتصادي حرم اغلبية الموظفين من رواتبهم وجعلهم ينخرطون في صفوف المتحاربين من اجل الحصول على الفتات.

هذه النتائج التي ترتبت على الحرب والعديد من العوامل الاخرى اضطرت المرأة للخروج إلى سوق العمل بمستوى تعليمها المتواضع الذي قد ينعدم لدى الاغلبية في بلد النساء غير المتعلمات فيه يمثلن 66% من اجمالي الاناث.

وإلى جانب الخسائر الاقتصادية فإن المرأة خسرت مكاسب هامة في الجانب السياسي كحصيلة لنضال طويل يمتد لاكثر من ثلاث عقود كان آخرها نتائج مؤتمر الحوار الوطني التي منحت النساء نسبة مشاركة في صنع القرار السياسي لا تقل عن 30%، الا ان الحرب وفرت للاطراف السياسية مبررات إقصاء المرأة سياسيا وحتى في عملية السلام بدا دورها شكليا واستجابة لضغوط اممية

ورغم أن نضال المرأة اليمنية الطويل من أجل إصدار تشريع يمنع زواج من هن دون سن ال18 الا ان تلك الحملات السياسية والاعلامية والحقوقية اوجدت ما يمكن وصفه برادع سياسي واجتماعي في هذا الجانب، وتراجعت بشكل ملحوظ معدلات زواج الصغيرات، لكن مع استمرار القتال وجدت اسباب اقتصادية واجتماعية فاقمت من هذه الظاهرة واعادتها إلى المشهد من جديد كظاهرة ولكن بسبب رداءة الوضع السياسي والامني والاقتصادي لم يتم التعامل مع هذه الظاهرة التي عادت بعنف على انها اولوية يجب التعاطي معها، حيث اضطرت الكثير من الاسر إلى زواج بناتها في سن صغيرة لعدم قدرتها على الاعالة، مع انه لا توجد حتى الآن احصائيات محددة إلا أن مكتب تنسيق الامم المتحدة في اليمن (اوتشا) ذكر في مايو 2019 أن زواج الفتيات دون سن 18 عاما ارتفع نحو ثلاثة اضعاف بين عامي 2017-2018م.

وتشير الاحصائيات قبل الحرب إلى ان نسبة التحاق الفتيات في المرحلة الابتدائية بلغت 76% للعام 2008 بينما وصلت النسبة عند الذكور إلى 94%. وكلما ارتفعنا في المستوى التعليمي نلاحظ تراجعا في عدد الإناث الملتحقات، ففي المرحلة الأساسية بلغت نسبة الإناث 42% في حين ارتفعت إلى 84% عند الذكور، أما في المرحلة الثانوية، فقد بلغت نسبة التحاق الإناث بالتعليم 23% مقابل 43% لدى الذكور، وبالنسبة للتعليم الجامعي تقدّر نسبة الفتيات ب5. 7% مقابل 18% عند الذكور.

وبسبب الظروف الاقتصادية التي فرضها استمرار القتال فقد عجزت الكثير من الاسر عن الحاق أبنائها في المدارس إما لعدم قدرتها المالية أو لحاجتها ان يعمل الصغار لتوفير متطلبات المعيشة اليومية، حيث بلغ عدد الاطفال المنقطعين عن التعليم حوالى 4 ملايين هذا العام وفق تقديرات اليونسيف مقارنة بمليونين قبل الحرب، وبالمطلق فإن الغالبية العظمى من هذا العدد هم من الإناث.

وفي الجانب المجتمعي تصدرت المشهد سلوكيات كانت تمارس على استحياء قبل الحرب، حيث اصبح مشاعا التدخل في أبسط خصوصيات النساء مثل لبسها ومنع تنقلها الا بوجود محرم، وعدم السماح لها بارتياد الاماكن العامة وحتى الاستئجار في الفنادق، والحصول على جواز سفر الا بحضور وموافقة الزوج أو الاب واحيانا الابن، وهي عراقيل ضاعفت من القيود امام النساء وخصوصا العاملات منهن، وبالمقابل زادت المضايقات في الشوارع والاماكن العامة بشكل مقيت وملفت.

ويمكنني القول إن الأطراف المتنازعة التي ترى في استمرار الحرب مصدراً لبقاء مصالحها فإنها لم تتفق على شيء كما اتفقت على المرأة وأنها تدفع الثمن الباهظ لاستمرار الصراع.