عبدالحليم صبر

عبدالحليم صبر

تابعنى على

المخا.. حرب تعثرت بهدنة وتآمر يعصف بما صنعته بندقية المقاومة

Sunday 13 December 2020 الساعة 09:26 pm

وسط هذا العالم المائج بالمستجدات والتحولات والتغيرات والمتغيرات، كانت المخا ــ تعز الجديدة ــ تحاول مثل غيرها من المجتمعات ان تتجاوز مرحلة التعقيدات الحاصلة، فكل ما يدور خارج حدودها يتشابك ويتقاطع مع الاوضاع الداخلية، فقد كان وما يزال يجري حولها يصب في النهاية داخلها كنافذة على العالم يهتم لها الجميع.. ابتداءً من طموحاتها في تحرير الساحل الغربي والحديدة إلى الاحساس بالتربص الإخواني الذي يجد سيطرته على المخا أهم من استعادة صنعاء من الانقلابيين، ومن الطبيعي أنّ أي ضجيج خارج نافذتها يؤثر عليها في الداخل، ولكن المشكلة الاكثر انزعاجاً في الحالات الطارئة التي بدأت تبرز على سطح المشهد وهو للأمانة بات مُقلقا ومخيفا قد ينذر بمعركة سنكون عاجزين عن تلاشيها أو تجنبها، هذا اذا لم يكن الكل ضحايا فيها. 

ولم تكن هذه الحالات الطارئة وحدها التي باتت تهدد النسيج الاجتماعي، فهناك كثير من القضايا المعقدة التي بحاجة أن نقول فيها ونكتب ونرفض ونعلن فيها مواقفنا الوطنية والمجتمعية والسياسية حتى لا يتكرر السقوط مرة أخرى.

سأسرد لكم اليوم ما طرأ في بالي أو بالاصح ما لاحظته خلال زيارتي إلى المخا مؤخراً ليكون الجميع في صورة ما يدور، مع جل الاحترام والتقدير لكل مقاوم ومقاتل في الصفوف الامامية حامياً وحارساً لأحلامنا وطموحنا في مواجهة عصابات الشر الحوثية. 

لفت انتباهي على شاشات التلفاز عبارة تقول: "الفوضى الحقيقية عديمة الصوت" ولعل هذه العبارة هي المعنى الحقيقي وملخص لما يحدث من نهب وسلب لأراضي المخا من قبل نافذين محليين وضباط ومشايخ وهوامير طارئين جاؤوا كسؤال لا يحتاج إلى اجابة العارفين، بقدر ما يحتاج إلى عودة مدير المديرية عبدالرحيم الفتيح الذي بات غيابه في القاهرة يحتاج إلى إجابة.

شكل هذا المشهد امورا متعددة كان اهمهما الهدنة التي اعاقت استعادة الحديدة من مليشيا الحوثي الإيرانية، بالإضافة، وهو الأهم، اعادة خارطة رسم الجغرافية اليمنية وفق الآمال الاقليمية التي تعاود صياغة اليمن حسب تقديرات المخرجين. 

وكما هو معروف في الحسابات العسكرية أن الهدنة هي الجزء الأهم من الحرب، إلا في اليمن! صار نهب الموارد والسرقة والقتل والسطو على أراضي وأملاك الدولة هي الجزء الأهم، وهو ما أكدته تعز المدينة التي تقاسمها الحوثي والإخوان المسلمون الذين جعلوا حكامها سواطير للذبح ومجتمعها بين شريد وقتيل.. وهذا ما نخاف ان ينتقل إلى المخا. 

الأمر الآخر والمهم في تلك القضايا وهو العنصرية التي بدأ يبزغ نجمها في سماء المخا منذ وقت ليس بقريب، ولكنه أيضاً ليس ببعيد عن ما يريده الإخوان لمشروعهم وما يخطط له علي محسن وأدوات قطر.

ان ما يثير القلق حقا ليس انفاق مليارات الريالات في الساحل من أجل السيطرة والهيمنة في النفوذ دون ادنى مسؤولية بخارطة احتياجات المجتمع، ولا عن العملية المنظمة في حالة النهب والسلب لتحويل المخا إلى قنبلة موقوته في وجه تعز، فحسب، بل في التعبئة العنصرية التي باتت تاخذ أشكالا متطورة اكثر التواءً وخداعا يصعب فهمها أو محاربتها بالتعالي والإنكار ولا بالتصريحات الاعلامية ولا حتى بالنصوص القانونية، فهناك منصات إعلامية مُخصصة مدعومه وموجهة تعمل على شبكة التواصل الاجتماعي تقوم بتحريضات عنصرية ضد ابناء تعز بينهم البين وبين ابناء تعز وصنعاء وفي مؤسسات الدولة ضد المجتمع. علماً ان هذه الاصوات بكافة اشكالها ترتفع يوما بعد آخر، فقد اغتيل عبدالله السلماني بعنصرية وعنجهية اصحاب (الذكريات القديمة)، وإصرار عصابات المحسوبية على سحب مصنع الاكسجين من المخا ونقله إلى مأرب بعنصرية السلطات الهادوية، وحرمان مجتمع الساحل من جامعة تعليمية بعنصرية الدولة، وتحركات علي محسن في إنشاء الحراك التهامي ودعمه بالسلاح بعنصرية العسقبلية، واستمرار جعل الساحل نافذة تهريب بعنصرية وعقلية التآمر.

أتخلي عن حذري وانا أكتب في هذا الجانب، لانه أمر يتطلب المصداقية والمواجهة لكونه امرا حساسا يشتغل عليه الإخوان واستغلاله والعمل عليه كنافذة مُطِلة وقريبة من المجتمع الساحلي، ولعل ما تقوم به قناة الجزيزة في فيلم "الطريق إلى الساحل" يأتي في هذا السياق، فقد سبق وان اشتغلت بنفس التوجه ضد "الحجرية" حتى اسقطتها بأدواتها الداخلية، في رساله واضحه أقلها تفكيك قوات الساحل والانتقاص من الدماء والتضحيات التي قدمتها القوات بمختلف مشاربها بما فيها القوات الجنوبية، مع انه لو وجد هذا الحذر عند طارق صالح أو عبدالرحيم الفتيح لما سكتا عن الاختراقات التي تحدثها قوى الإخوان الواضحة للعيان.

يستطيع عبدالرحيم الفتيح ان يصنع نجاحا ادارياً واجتماعيا وسياسياً وجماهيرياً لتعز ولنفسه في تشغيل ميناء المخا وتفعيل الجمارك وجعلهما قيد الخدمة، ويستطيع فرض المخطط العام للمدينة الذي كان يعمل عليه المحافظ السابق شوقي هائل والحفاظ على أراضي واملاك الدولة ضمن خطة تنمية شاملة للمدينة، بدلاً من حالة الفراغ المفزع الذي يجعله الإخوان بوابة عبور لمشاريعهم الخارجية. 

ويستطيع طارق الاستفادة مما يصنعة الفتيح كانسجام بين السلطتين العسكرية والمحلية في توفير حماية لهذه التحركات الهامة والمُلبية لتطلعات المواطنين التي تهدف إلى اعادة المؤسسات للخدمة وتوفر حياة آمنة للناس بعد توقف خمس سنوات، كمسؤول عسكري يهمه إعادة تشغيل هذه المرافقة الخدمية ويهمه الحفاظ على أملاك الدولة، بدلا من انكار هذه التجاوزات والاختراقات الحاصلة للساحل، وهو ما يستغله هوامير الاراضي وامبراطورية التهريب التى تتخذ من هذا الانكار درعا لحمايتهم.

أخيراً.. أقول ان الجحيم الذي يعيشه الناس ليس ما يذهب اليه بعد مماتهم بل ما يكونون عليه عندما يسلب منك كل شيء، وهذا ما ينطبق على تعز، فقد سلب كرامتها الحوثي والإخوان، ولم يبق له سوى المخا فاما ان تكون متفردة بشيء من الاستقرار والعدالة والتنمية يلجأ اليها الناس كما لجأوا لعدن بعد بطش الحوثي والإخوان أو ان تذهب وراء ما يسعى له الاعداء، حينها ستكونون جميعاً ضحايا لمشاريع وهمية أو ربما أدوات ضعيفة لن تستطيعوا حماية انفسكم.