حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

الدولة ليست توكيلاً من الله للمتسلطين

Monday 01 February 2021 الساعة 07:38 am

قد يكون الحديث عن تعزيز "الهوية الإيمانية" مغريا لإلهاء الناس عبر مداعبة غرائزهم الدينية.

لكن مهمة الدولة تقديم الخدمات للناس في الدنيا، وليس ضمان موقعهم في الآخرة.

الدولة علاقة بين تعاقدية بين السلطة والناس، وليست توكيلا من الله للمتسلطين.

الله والقرآن والآخرة ليست مجالات للنقاش بين المواطن والدولة.. هي مجالات للاقتناع الشخصي. 

قد تبني الدولة مسجدا، لكن إجبار الناس على الدخول للمسجد ليست مهمتها.

ودور الدولة حماية حق الناس في التدين، وليس فرض مذهب أو طائفة معينة على الناس.

الإيمان ليس الهوية الوحيدة لليمنيين..

هو جزء بسيط وفرع بسيط في الهوية اليمنية القديمة والمعقدة والمتغيرة.

 واليمن موجودة قبل الإيمان وقبل الإسلام بآلاف السنين، وسيبقى بعد أي إيمان وأي دين.

وظيفة السلطة المحلية تقديم الخدمات وليس ملاحقة البالطوهات والكافيهات، وظيفتها دفع المرتبات، وليس مراقبة العقائد، تهيئة المدارس للتعليم العصري، وليس تحجيب طالبات الصف الخامس.

لا يمكن اختصار هوية الشعب في تفصيل صغير هو الإيمان. 

ولا يمكن اختزال الإيمان في هوية طائفية ومذهبية واحدة في بلد متعدد المذاهب والانتماءات.

حتى الإمامة البائدة في أشد فتراتها تسلطا لم تجرؤ على مصادرة انتماءات الناس وهوياتهم وفرض هوية طائفية واحدة بالقوة على الجميع!

مهمة الدولة هي تقديم الخدمات.. خدمات الأمن والتعليم والصحة والوظيفة... 

والهروب من هذه الإستحقافات نحو شعارات الإيمان والأخلاق مهمة فاشلة مسبقا...

*  *  *

من المخجل اننا نجهل، حتى اليوم، ما هي مهمة الدولة؟ وماذا ينظم القانون؟

الدولة تنظم الحياة العامة للمواطنين، ولا تتدخل في حياتهم الشخصية إلا عندما يتضرر أحد اطراف العلاقة.

إذا خرجت امرأة وقادت سيارتها متجهة نحو عملها، فإن مهمة الدولة ليست مراقبة ملبسها.. مهمة الدولة تعبيد الطريق الذي ستقود سيارتها عليه، وتركيب إشارات المرور التي تنظم السير، ومعاقبة المخالفين من أجل فرض النظام..

وفوق هذا كله، مهمة الدولة معاقبة من يحاولون مصادرة الحرية الشخصية لهذه المرأة في ارتداء ما تريد.

إذا حان وقت الصلاة، فليست مهمة الدولة ملاحقة الناس لدخول المسجد.. مهمتها ضمان حرية وحق كل شخص في ممارسة حياته الدينية كما يشاء. 

ليست مهمة الدولة إجبار الناس على التدين، بل على العكس من ذلك، مهمتها معاقبة كل من يحاول إجبار الناس على اتباع طريقته.

ليست مهمة الدولة مراقبة العلاقات الشخصية للناس ما دامت تتم بالتراضي والقبول الواعي، لكن مهمتها منع التحرش والابتزاز الجنسي والاعتداء الجنسي وزواج الأطفال والتهديد والتحريض ونهب الملكية العامة وفرض جبايات غير قانونية.

وظيفة القانون في العالم الحديث تنظيم "الحياة العامه" للناس، مع ترك "الحياة الشخصية" للناس انفسهم لتنظيمها كما يشاؤون ما داموا لا يخرجون فيها على القانون ولا يعتدون على الحق العام أو الخاص.

 أما أن ينشغل القانون والعرف الاجتماعي والفكر الديني بملاحقة السلوك الشخصي في حين يتغاضى عن الجرائم العامة والمنظمة بحق الأفراد أو المجتمع فهذا اختلال عقلي وأخلاقي وقانوني لا يمكن الاستمرار فيه إذا أردنا مجتمعا مستقرا وصحيحا.

*  جمعه نيوزيمن من منشورات للكاتب على صفحته في الفيس بوك