وصلتني الكثير من المنشورات والمقالات المختلفة التي تربط ما يجري هذه الأيام حول مدينة مأرب، ومحاولة إسقاط المدينة وما تبقى من المحافظة بأيدي الحوثيين، بمؤامرة جنوبية.
وكان زميلٌ نائبٌ ووزيرٌ سابق وسفيرٌ حالي، قد ربط سقوط محافظة الجوف بيد الحوثيين منذ نحو عام بمؤامرة من المجلس الانتقالي الجنوبي.
واليوم نشر أحدهم مقالة يتهم فيها أبناء الجنوب بأنهم يتمنون سقوط مأرب وشبوة وتعز بأيدي الحوثيين، لكنه لم يقل لنا من أين استمد هذا الهذيان الذي لا معنى له سوى تبرير الخيبة والهروب من الاعتراف بأسباب الفشل المتواصل لمن يفترض أنهم يقاومون الانقلاب والانقلابيين.
لا يوجد مواطن جنوبي عاقل يتمنى أن تسقط لا مأرب ولا تعز ولا أي منطقة شمالية أخرى بيد الجماعة الحوثية، ناهيك عن شبوة الجنوبية التي ذهب كل أبناء الجنوب للدفاع عنها عندما هاجمها التحالف الانقلابي في العام 2015، وقدمت مناطق الجنوب مئات الشهداء دفاعا عن ترابها الطاهر، ببساطة لأن تجربة الجنوبيين مع هذه الجماعة أمرُّ من المرارة وأقسى من القسوة.
وبالعكس، فإن الجنوبيين كانوا يسحقون الجماعات الحوثية في مريس والفاخر والحشاء وقعطبة وفي كرش والمقاطرة وعلى حدود الصبيحة وفي عقبة ثرة، حينما كان الشرعيون يسلمون فرضة نهم ومحافظة الجوف ومديريات البيضاء الشمالية ومديريات مأرب الغربية للحوثيين مع معسكراتها ومستودعات العتاد والمواد الغذائية ومخازن الأسلحة بما في ذلك الأسلحة السعودية الحديثة، في عملية تثير من الشكوك والارتيابات والتساؤلات أكثر مما تطرح من الفرضيات والإجابات.
فمن يتمنى سقوط مأرب بيد الحوثيين؟
سأتجنب الإشارة إلى التسريبات التي تحدثت عن اتفاق غير معلن بين الحوثيين والإصلاحيين على تسليم مأرب وتعز للحوثيين مقابل انتقال الإخوان إلى محافظات الجنوب الشرقية، والهجوم على غربي محافظة لحج، للانقضاض على العاصمة عدن، بعد أن أخفقت محاولة اجتياحها من الشرق بفضل استبسال المقاومة الجنوبية التي سحقت كل محاولة للوصول إلى الشيخ سالم أو وادي سلا أو الطرية، وجاء اتفاق الرياض وملحقاته، لينهي هذه الحرب العبثية التي يدبرها دعاة الشرعية والجمهورية الذين يسلمون الحوثيين آلاف الكيلومترات في يوم واحد، سأتجنب كل هذا وسأشير إلى ما نشرته مواقع إخوانية وشرعية من أخبار عن وصول آلاف المقاتلين الجنوبيين ألى جبهات التماس مع الحوثيين دفاعا عن مدينة مأرب.
فمن نصدق إذن؟ الذين يتهمون الجنوبيين بأنهم يبتهجون بسقوط مأرب بيد الحوثيين أم الذين يعترفون بتدفق آلاف الجنوبيين إلى الجبهات للدفاع عن مأرب؟
وبمناسبة الحديث عن ذهاب الجنوبيين للدفاع عن مأرب، هل يتذكر القارئ الكريم قصة لواء الحماية الرئاسية الذي استُدعِيَ أفراده إلى مأرب لاستلام مرتباتهم وعادوا جثثا هامدة بعد أن تمت تصفيتهم في مسجد معسكر الاستقبال بمأرب، إذ كانوا يؤدون الصلاة وحدهم دون وجود مصلين آخرين بجانبهم؟
ثم إن من حق المرء أن يتساءل هل القوات الشمالية التي تعدادها فوق النصف مليون مقاتل وفوقها مئات آلاف المتطوعين من قبائل مأرب والجوف الأبية وصنعاء وعمران وغيرها بحاجة إلى بضعة آلاف من المقاتلين الجنوبيين الذين يفتقر بعضهم لأبجديات التدريبات العسكرية وتقتصر كل خبراتهم على المقاومة الفردية العشوائية؟
لا أحد يعترض على ذهاب جنوبيين للدفاع عن مأرب فهذا يعود إلى اختيارات الأفراد وقناعاتهم الشخصية وظروفهم المادية، مع يقيننا أن في مأرب وكل محافظات الشمال من المقاتلين الأشداء الأشاوس الذين يمكنهم تحرير مأرب والجوف وحتى عمران وحجة، لو وجدوا القيادة الأمينة والكفؤة والنزيهة.
بيد إن ما وددناه هو تفنيد تلك الترهات التي تبرر فشل مموليها وفساد مراكزها السياسية من خلال تصدير الاتهامات باتجاه من لا شأن لهم بهذا الفشل وتلك الإخفاقات والخيبات المتواصلة.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك