خالد سلمان
اضطراب الموقف الحوثي من المبادرة الأمريكية
أرجع محمد عبد السلام، الناطق الرسمي باسم الحركة الحوثية، رفضه للمقترحات الأمريكية الخاصة بوقف إطلاق نار شامل، في كل رقعة المواجهات العسكرية، المقدمة من إدارة بايدن، إلى كونها لا تخرج عن فلك الأفكار المطروحة من قبل السعودية، وأن المقترحات هي امتداد لما تسميه الجماعة، العدوان وفرض الحصار، وإن بطرق دبلوماسية.
هذا التصريح الحوثي القادم من مسقط، الرافض قطعياً المبادرة الأمريكية، لم يستمر طويلاً، حيث سرعان ما تخلى الناطق الحوثي، عنه بعد ساعات قليلة، تخلٍ جاء على خلفية النتائج العسكرية، وربما ممارسة جملة من الضغوط على إيران، والتي بدورها أرسلت إشارة للحوثي، للتراجع عن رفضه، والعودة للغة أقل حدية وأكثر مرونة، وتساوقاً مع مسودة ليندر كينغ، وهو ما تجلى بتصريح أطلقه عبر إذاعة "ال بي بي سي" يوم أمس الأول، حيث أعرب محمد عبد السلام، في اتصال هاتفي مع هيئة الإذاعة البريطانية، عن استعداد الحركة للتعاطي الإيجابي مع مشروع المبادرة، والانفتاح على مناقشة كل بنودها، ولم يعرج على سابق تحفظاته حول مضمونها السائر في ركب السعودية، ومع الحصار والعدوان!!.
هذا الاضطراب في الموقف الحوثي، والانتقال من أقصى التشدد إلى أقصى الاعتدال والمرونة، يكشف أن حوثي الأمس ليس هو -عسكرياً- حوثي اليوم، وكذلك هو حال إيران. سياسياً، المنفتحة على تصورات أمريكية، بشأن حلحلة تعقيدات الملف الإيراني، وتبرم روسيا من تشدد طهران ودعمها المفتوح للحرب في اليمن، وتعطيلها لمسارات وآفاق الحل، كما رشح من زيارة لافروف للرياض.
هكذا تجري الأمور من الحرب إلى السياسة، ومن التشدد إلى المرونة الإجبارية، حيث ميزان القوى وتعديله، يدفع إلى أحد مسارين:
إما التصلب والرفض والممانعة، تحت وهم القوة. أو الاستجابة لمتطلبات الحل السلمي، تحت واقع الضعف الراهن الآخذ بالاتساع، والتراجع العسكري الحوثي في جغرافية الحرب المحتدمة الآن، وتوسيع نطاق وامتداد الجبهات، بما يفوق قدرة الحوثي البشرية والتمويلية والتسليحية، من الاستمرار بذات الوتيرة الهجومية التوسعية السابقة.
مخرجات المواجهات اليوم، سنقرأ غداً نتائجها على شكل مقاربات دولية إقليمية، وصيغ حل، تعتمد على رفض المضي بالمواجهات، وفق قاعدة دفع الأطراف إلى حافة الهاوية، ثم جلبهم لقاعة التفاوض، والخروج من دائرة توصيف نتائج سنوات الحرب الست، من رابح خاسر، إلى اعتبار الجميع رابحا رابحا، وفق حدود صفقة متوافق عليها سعودياً إيرانياً، وأمريكياً روسياً، مع عدم إغفال القوى الأُخرى الوازنة.
وهي تسوية لها مستفيدون، هم أطراف الصراع ورعاتهم الخارجيون، كما لها أيضاً قرابين، ضحايا موزعين من القضية الجنوبية، وحتى بعض القوى المحسوبة، على أكثر من طرف إقليمي، متداخل في ملفي السياسة والحرب.
إجمالاً، هناك ميزان قوى جديد يتشكل، هو من سيرسم وجهة ومضمون الحل، وتوزيع خارطة المصالح والنفوذ في اليمن.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك