بدر العرابي

بدر العرابي

تابعنى على

سنمسح بالمجلس الانتقالي الجنوبي الأرض

Wednesday 24 March 2021 الساعة 07:34 pm

في البدء سأشرع في تفكيك غموض عنوان مقالي هذا؛ فالعنوان أعلاه عبارة عن ملفوظ نقله إليّ أحد أصدقائي من أبناء الشمال عن (السفير السعودي آل جابر) في جلسة جمعته بالسفير السعودي قبل ما يقارب من سنة ونصف.

قالها لي صديقي الشمالي إنه في أحد لقاءاته الخاصة بالسفير السعودي آل جابر، همس له السفير بقوله: "سنمسح بالمجلس الانتقالي الجنوبي الأرض وسنفرغه من كل قوته الشعبية والعسكرية، والمسألة مسألة وقت...".

حينما وشى لي صديقي الشمالي بهذا الملفوظ الذي يؤكد أنه جاء على لسان السفير آل جابر _ لم أصدق أن السفير السعودي آل جابر، سيطلق ملفوظاً كهذا أو أي مسئول سعودي، ولا سيما أنه تم نقله من مصدر شمالي عن مسئول سعودي؛ إذ أخذت الأمر على أنه محاولة من الناقل لتعبئة كاتب جنوبي بغية إصدار رد فعل (مقال صحفي) أو تصريح أو نقل الخطاب المنقول عن السفير السعودي إلى أروقة المؤسسات التابعة للمجلس الانتقالي، بحكم أن الشخص الذي نُقل إليه قول السفير السعودي (إن صدق الناقل) قريب من قيادة الانتقالي ويتمتع بتقدير وثقة كبيرة لدى القيادة، وإن لم يفش هذا المسئول في الانتقالي، بهذا القول ليصل إلى أروقة الانتقالي، سعياً في خلق بعض الفوضى والجدال، إذا لم يكن زعزعة ثقة الانتقالي بالشقيقة _ فقد أودعه الناقل لدى كاتب يُتصف بقوة الملاحظة والتشكيك بالمواقف وسرعة البديهة والغوض فيما وراء المواقف ويتمتع بقدرته على الاستقراء والمطابقة بين الأفعال والأقوال وفحص المواقف، ومن ثم فإن الملفوظ المنقول سيعبث بمخيلة وذهن هذا الكاتب ولن يمر مرور الكرام. هذا ما تكهنه الناقل وما يزال يتكهنه، بعد مرور مدة زمنية غير قليلة على وصله بملفوظ السفير السعودي (سنمسح بالمجلس الانتقالي الأرض... إلخ).

أود التنويه للقارئ أنني سأتناول قول الملفوظ المنقول عن السفير السعودي بأخذ القول المنقول محمل الصدق، باعتبار أن السفير السعودي تلفظ بشكل فعلي، ومن ثم فكل ما نقله صديقي الشمالي عن السفير آل جابر كان حقيقة، حتى يثبت عكسه ميدانياً. لكن قبل ذلك أتوجه باعتذاري الشديد لصديقي الشمالي لإفشائي السر والخبر الذي نقله لي في وقت سابق، رغم أن صديقي هذا لم يوصني بكتم السر ولم يطلب مني إفشاءه أيضاً.

فإذا ما أخذت القول المنقول محمل الصدق، أي أن السفير السعودي آل جابر قد همس بصدق لمسامع صديقي بنيته المبطنة (المسح بالمجلس الانتقالي الجنوبي الأرض وإفراغه من قوته الشعبية والعسكرية) _ فإن ثمة شكوكاً أقول (شكوكاً) قد تنتاب كل مستقرئ جنوبي مهتم أو غير جنوبي، في صدق ملفوظ السفير السعودي أو الشقيقة في استبطانهما الموقف المعادي تجاه المجلس الانتقالي الجنوبي. أقول شكوكاً فقط، لكنني عن نفسي ما أزال أمنح الشقيقة وسفيرها الثقة؛ باعتبار أن السعودية دولة كبرى في نظرنا كأمة عربية، وفي نظر المجتمع الدولي، ولديها من العقلانية والحكمة والهيبة، ما يدفع أي تشكيك بها لأن تنصرف لصغائر الأمور الملبية لطموحات جهوية تقودها جماعات متطرفة (تنظيم الإخوان) كطرف معاد مباشر للمجلس الانتقالي الجنوبي، ومن معهم من الجماعات الإرهابية التي تدعمه ميدانياً في مواجهاته مع المقاومة الجنوبية؛ فإسقاط الانتقالي الجنوبي هدف ملح لدى جماعة الإخوان في اليمن فقط؛ باعتباره القوة السياسية والعسكرية الجنوبية التي تستطيع إنهاء سيطرة الإخوان العسكرية على ما تبقى من محافظات الجنوب (شبوة / حضرموت / المهرة) إذا ما أُتيح لها ذلك، من قبل التحالف، في استمرار المواجهة العسكرية مع قوات الإخوان المتمركزة في أطراف محافظة أبين الشرقية ثم شبوة ثم المكلا، ولا مجال للشك في حسم تلك المعركة، إن ترك لها العنان، لصالح المقاومة الجنوبية والانتقالي الجنوبي.

هنا ينبثق السؤال: (لماذا دائماً ما تستدرك السعودية، أي تقدم للقوات الجنوبية وأي غلبة جنوبية تبرز على الميدان؛ إذ سرعان ما تستدعي الطرفين لوقف إطلاق النار، وقبل ذلك بعد طرد قوات الإخوان من العاصمة عدن، كانت الفزعة السعودية التي أفضت إلى اتفاق الرياض، ثم توقفت عند الصيغة الورقية للاتفاق دون الإجراءات التنفيذية الميدانية التي ستعود بمكاسب جنوبية ضمن طموحات شعب الجنوب المرجعية المتمثلة في طلب فك الارتباط بالشمال وإنهاء صيغة الوحدة اليمنية، أو في استعادة حكم الجنوبيين لأنفسهم بأي صيغة سياسية كانت، ذلك الطموح الذي فوض فيه شعب الجنوب المجلس الانتقالي بشكل ميداني مباشر). وقد ينبثق السؤال: (لماذا تتمادى السعودية في الصمت إزاء ما وصلت إليه معيشة المواطن الجنوبي من تدهور لا يرضي حتى إسرائيل قبل الأمم الأخرى، في الوقت الذي تمتلك فيه القدرة على إزالة المعاناة عن الشعب في الجنوب، سواءً بإخضاع الحكومة للعمل في استعادة استقرار المعيشة في المحافظات المحررة واستعادة الخدمات الأساسية واستعادة صرف رواتب المنتسبين للجيش والأمن _ أو بالدعم المادي والعيني والإغاثي للمجتمع في المحافظات المحررة، بما يزيح عنهم كاهل معاناتهم بسبب فساد الحكومة واستئثارها بالمال العام والحقوق، باعتبار أن المجتمع في المناطق المحررة حارب ورفض تواجد المليشيات الحوثية المدعومة من إيران وقطع دابر امتدادها جنوباً، بما كان سيجعل السعودية على مرمى حجر من الأهداف الإيرانية.) وهل يستحق الشعب في الجنوب هذا التدهور المعيشي وتدني، بل انتهاء اشتغال الخدمات الضرورية للحياة كخدمات الكهرباء والمياه وانعدام توفر أدنى وسائل العيش.. هل يستحق شعب الجنوب الذي قطع نهائياً يد إيران من أراضيه وطردها شر طردة _ هل يستحق أن يُحارب في معيشته.. هل يستحق شعب الجنوب الذي تناثرت وما تزال تتناثر جماجم أبنائه على حدود الشقيقة في نجران وجيزان حتى هذه اللحظة _ هل يستحق هذه المعاناة المفتعلة على مرأى من الشقيقة التي تعي جداً أن هذا الشعب لن يتوانى أو يتردد في الدفاع عن أراضيها في أي لحظة... ثم السؤال المُر المثير للشك هل تعاقب السعودية شعب الجنوب لأنه فوض الانتقالي في أموره وتطلعاته نحو الانعتاق من الاستبداد الذي عاناه منذ سيطرة القوى الشمالية على أراضيه في صيف عام 1994م، ثم لأنه دحر مليشيات الحوثي ورفض أن تحكمه إيران بالوكالة ورفض أن يكون جغرافية صالحة لإيذاء المملكة العربية السعودية عن قرب.. وهل وهل وهل وهل..؟ 

ويقودنا السؤال إلى ضفاف من الشك المرعب فحواه: (هل رغبة السفير التي ضمنها ملفوظه، إن صدق النقل والناقل، موافقة لرغبة رأس النظام السعودي.. أم أن ثمة رغبات وطموحات وأهدافا متمردة عن طموحات ورغبات وأجندات النظام السعودي، عجز رأس النظام عن كبحها، إذا لم تكن قد باتت مهددة تهديداً مباشراً للعائلة الملكية في حكمها للسعودية).

أسئلة مريبة تداهم ذهن كل جنوبي في هذه اللحظة المحيرة، لكنها لن تظل محيرة، فشعب الجنوب وفي إلى درجة أنه سيقبل الضيم والعيش بأدنى وسائل ممكنة لاستمرار الحياة.. وستظل ثقة شعب الجنوب صلبة وقوية وأزلية، بالمجلس الانتقالي الجنوبي، ولن تنال من هذه الثقة أفعال المنفلتين عن الشقيقة، إن وجدت، لأن لا خيار أمامه غير الثقة بالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي عاشت قيادته معهم في الكهوف والجبهات في أثناء الدفاع عن المحافظات الجنوبية من الغزاة، وما تزال مستعدة لذلك أنى تطلب ذلك.

وخلاصة القول، فإذا كان هناك من قول ملفوظ وقائل "سنمسح بالمجلس الانتقالي الجنوبي الأرضَ... إلخ" فإن ذلك، رغم الغصة التي سيحدثها لنا، ورغم المعاناة التي نعانيها دفعاً لثمن دحرنا ورفضنا لحكم المليشيات المفوضة من أعداء الشقيقة لإيذائها _ لن يثنينا عن الصبر ولن يثلم ثقتنا بالمجلس الانتقالي الجنوبي كمفوض لتحقيق طموحاتنا في الحرية والانعتاق واستعادة دولتنا مهما تراكمت علينا أفعال التركيع وسياسات لي الذراع، سواءً من قبل ما يسمى بالشرعية أو قوى التطرف والإرهاب أو من شذ في باطنه من الأشقاء، ولا يحيط المكر السيء إلا بأهله.

* أمين عام اتحاد الأدباء والكتاب الجنوبيين