أحمد الشرعبي

أحمد الشرعبي

تابعنى على

من أيام إب.. هثيم الذكريات "26"

Monday 05 April 2021 الساعة 11:03 am

من فاتته معرفتها أوائل السبعينيات فلن يجد لها نظيرا وإن في العالم بأسره.

ذاك أن لبعض المدن ما يفوق تفاوت ملامح الناس، وقل إن شئت التحديد بصمات لا تتشابه إلا فيما ندر وإذا تشابهت دل ذلك على وشائجها الواحدة وتضاريسها الوطنية المتحدة.

أستطيع القول إن أربع مدن يمنية عدن، صنعاء، اب، وتعز، تواشجت فيما بينها بروابط الانفتاح والمدنية والتعايش وقابلية الاستيعاب المبكر للثقافات القادمة وروح الدعابة وحب الحياة.

  كانت عدن قبل مناطقيتها المتلحفة باليسار قلب الحركة الوطنية ومنبع الغيث الثقافي الوحدوي، وصنعاء موئل الثوار وتعز منتجع الحراك الثقافي والحزبي، وإب شيء من كل هذا وذاك.

 مدينة تنضح عطرا.. محاصرة بالسندس الأخضر، موشاة بمحاجين السبول مدلهة بقصر الجبانة مشقرا والظهار بساطا سرمديا ومطرزة بالرجال الذين تلوذ بهم الجبال.. أينما التفت يقابلك رجل عملاق.. الثائر الوطني الصادق شيخ الشباب عبد العزيز الحبيشي، الأستاذ الريادي، الشيخ العنسي، القاضي المجاهد، الفاضل الكريم أحمد الميتمي، الشيخ الفكة باسلامة، أولاد الشهيد أحمد السياغي، عبد الرحمن المنصوب، القاضي إسماعيل المقدم، الحاج علي العمراني، البعداني، النود، عامر، الصنعاني، السوسوة، الكبسي، الصانع، الغزالي، وقمحان. 

إنها مدينة محروسة بأخلاق ونبل اشاوس صاغتهم العناية الإلهية من مروءة وسماحة وتمدن. 

وكان هؤلاء الرجال محروسون بتجليات الخالق التي اغدقها على المدينة، إذ بسطت الطبيعة سطوة جمالها على نفوس الناس وانعكس هذا على تعاملاتهم، فصار الناس والطبيعة على حال تكامل وتفاضل.

حيثما نشتهى مذاقا حلوا أو نكهة يسيل لهما اللعاب، فالمدينة القديمة كفيلة بذلك.. الفناها.. عشقناها، تطيبنا بها وغدت محجتنا اليومية ومزارنا الذي لا يمل.. مطعم العرومة وكوارع صالح، وفي الجوار مخابز الملوج الساخن وحلويات الأبي وسفرة شهريار الراكزة.

والرمان.. آح من رمانات بستان حمام..

 وفي السوق المركزي تتعالى صيحات الباعة كلُ يؤذن لبضاعته: كدم.. كدم.. كدم.. حامي وعس، حامي وعس، والشعراني محمود المكافح المضياف يتحسس الكدمة كما لو أن لديه جوهرة يود جعلها قلادة على العنق.

وفي المربع ذاته تجد بائعات اللحوح واطباق الفاصوليا الطرية والكشد الفواح الذي تحمل عبقه ويعلق بك وإن لم تذقه، وحزم الخشخاش التى نتسلى بها كلما غدونا على أحر من الجمر للحاق بمنافسات ناديي الشعب والفتوة. 

كان الأول يحرز النجاحات في مضمار الجمهور وتسديد الأهداف والثاني يجنيها في أمسياته الثقافية والفنية.  

 تصعد من السوق المركزي قليلا فيقابلك ميدان الشهيد الكبسي صدر المدينة الفوار ومحط الفعاليات الكبرى.

أقراني وأنا معهم نهرع صوب الميدان، تشدنا الأداءات الكروية بما يرافقها من حماسة وهياج ونذهب إليه لقضاء أوقات ممتعة مع البسكليتات والدراجات النارية المعروضة للإيجار.

وفي الفعاليات الوطنية نهبُ باكرا يحتل كلُ مكانه قبل الآخر بانتظار بدء فقرات الاستعراض المهيب، وعادة ما يكون المستهل آيات من الذكر الحكيم، فالسلام الجمهوري:

(في ظل راية ثورتي ** أعلنت جمهوريتي..

بعزيمتي وإرادتي ** سجلت أعظم صفحة

وبقوتي وبوحدتي ** أنهيت عهد الظلمة

ومضيت نحو القمة ** والله بارك وثبتي

لا.. لن نعود إلى الورا ** ولسوف نقتحم الصعاب

بيدي سأبني موطني ** حتى يُرى فوق السحاب

هيهات شعبي يستكين ** شعبي محا ظلم السنين

وأباد عصر الظالمين ** ليعيش مرفوع الجبين

في ثورتي حريتي ** والحكم حكم الأمة

هذي إرادة أمتي ** أشدو بها في فرحتي

قسماً برب العزة ** قسماً بمجد عروبتي

إني سأحمي ثورتي ** وأصون جمهوريتي 

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك