دأبت الكثير من الجمعيات والمبادرات الإنسانية، وبعض القنوات الفضائية اليمنية خلال شهر رمضان -وخصوصا تلك التي تتمتع بتمويل سخي وغير معلن- على تقديم العديد من برامج التبرعات التي في ظاهرها فعل خير وعطاء، وفي باطنها بحث رخيص عن الشعبية والترويج التجاري والسياسي للجهات التي تقف خلفها.
ناشطون وجمعيات حزبية معروفة تبعيتها، وبرامج لا تخلو من إذلال للفقراء والعائلات المتعففة وذات الحاجة، حيث ترى القائمين على هذه الجمعيات والقنوات يوثقون ما يقدمونه وإن كان هزيلاً، ويتلذذون بإحراج الأشخاص والأسر الفقيرة، وسط ضجة وتهريج ومِنَّةٍ لا تخطئها العين، ومحاولات مقرفة لاستحلاب واستجلاب المديح وعبارات الإطراء من المُتَصَدَق عليهم لتلك الجمعيات والجهات والقناة المشؤومة وصاحبها والقائمين عليها. وهكذا تجد الشخص المعوز أو الأسرة المعوزة التي ساقها قدرها إلى عدسات كاميرات هذه القناة أو تلك، وبعد أن تكون قد تبهذلت تراها تموت ألف مرة من الشعور بالإذلال حتى ينتهي تصوير البرنامج وتنال بعض المبالغ النقدية، أو سلة غذائية أو جهاز منزلي كهربائي صورته الكاميرا من جميع الجهات، ثم تموت -تلك الأسرة- مرات أخرى بعد نشر تلك الصور في مواقع التواصل الاجتماعي، أو بث البرنامج التلفزيوني مرارا وتكرارا، وكأن القناة المتصدِقة على هؤلاء البؤساء تريد الثأر منهم وجعلهم جسرا لشهرة عاجلة وصيت ذائع وبأرخص الأثمان.
ولعل ما شجع على تفشي هذا النوع من النفاق الخيري (الجمعيات والمبادرات والقنوات التلفزيونية) أسباب كثيرة منها الفقر الشديد وصعوبة الحياة اليومية في ظل تولي أمر المواطن اليمني من قبل جماعات الإسلام السياسي (الحوثي، الإخوان) الذين جعلوا من المواطن آخر اهتماماتهم كمسيطرين على المشهد السياسي على الأقل حالياً، وأول أهدافهم للنهب والسلب والعذابات، بالإضافة لفقدان المعوزين والمحتاجين وهم كثر جراء ما تعانيه اليمن منذ انقلاب الحوثيين، فقدان الفقراء السند والداعم الاجتماعي، وتآكل الطبقة الوسطى المأساوي وتحولها إلى نثير وشظايا من الكادحين والمحرومين.
في الواقع نحن لا نظلم أحدا، ونقدر أهل العطاء والكرم أيما تقدير، غير أن من الصعب أن يسكت المرء وهو يرى البعض يحاول، وبرخص ولؤم، استغلال أعمال الخير والصدقة ليذل المحتاجين ويحاول الصعود على أكتافهم. ثم إن تراثنا الديني والاجتماعي يوضح الفرق جيدا بين الصنف الأول من المتصدقين ويصفهم بأهم أهل المن والأذى والعلانية، وأية علانية أكثر وأشد قبحا من الفضح على شاشات الفضائيات فيرفضهم ويلعنهم، وبين الصنف الثاني وهم أهل التصدق بالسر دون مَنٍّ أو أذى فيحَيّهم ويطريهم، ومن السهل التفريق بين الصنفين بسهولة! فمن يريد أن يعين الفقراء لوجه الله ليس بحاجة إلى اصطحاب الكاميرات وشبكات الإضاءة وجيش من الإعلاميين والفنيين معه.