خلال فترة التشاورات التي امتدت أكثر من عام، لتشكيل ما صار يعرف بـ"حكومة المناصفة" بين الشمال والجنوب، كان موقع وزير الداخلية هو من بين أكثر الأمور الحساسة، التي تشغل الناس في محافظات الجنوب على وجه الخصوص، لا سيما بعد ما تأكد رفض الرئيس هادي لاسم الوزير السابق الذي أنتج من المشاكل أكثر مما حقق من الإنجازات، إن وجدت إنجازات أصلاً.
وتوقع الناس اسم اللواء علي ناصر لخشع، وهو الاسم الأبرز الذي تتوفر فيه كل الصفات التي يقتضيها الأمر، وفقا لمعايير المهنية والوطنية والأخلاقية، وحتى تلك التي صارت شبه مثبتة بفعل العادة، وهي أن وزير الداخلية أصبح من حصة محافظة أبين، ومن جغرافية منطقة فخامة الرئيس على وجه الخصوص، رغم أن أبين واسعة ومتعددة التكوينات الجهوية والجغرافية والسياسية.
لكن كل أهل أبين قد اعتادوا على التعامل مع الرئيس (عندما يكون أبينياً) على أنه يمثل كل أبين، بعيدا عن التسويقات الجهوية والمناطقية وسواها.
وكان الأمر هكذا مع الشهيد سالمين، عليه رحمة الله، ومع الرئيس على ناصر محمد، أطال الله في عمره، وما يزال كذلك مع الرئيس هادي شفاه الله.
أعود إلى موضوع وزير الداخلية والأخ اللواء علي ناصر لخشع الذي شغل منصب نائب الوزير أكثر من خمس سنوات وقبلها تدرج في مستويات السلك الأمني منذ بداية السبعينيات من القرن المنصرم، حينما كان ضابطاً صغيراً في جهاز أمن الثورة حتى غدا مؤهلاً لمنصب الوزير وأكثر منه، بفعل ما يمتلك من تجربةٍ وما يتميز به من خصال مهنية وأخلاقية وإنسانية، لكن الناس تفاجأوا بتعيينه سفيراً ولم يعلم أحد في أي سفارة وفي أي بلد، لكن تلك هي الطريقة المألوفة في اليمن للتخلص من الكفاءات المحترمة التي لا ترضي مراكز القوى النافذة.
وأثناء التسريبات ورد اسم ابراهيم حيدان، الشخصية المغمورة التي لا يعرف أحدٌ عنها شيئاً، لكن البعض تحدث عن الرجل بإيجابية، ومعظم هذا البعض كان من أنصار القضية الجنوبية ومن المقربين من المجلس الانتقالي الجنوبي على وجه الخصوص، بينما لم يقل الآخرون عنه شيئاً.
وجاء تعيين الرجل لمنصب وزير الداخلية، كتحصيل حاصل دون أن يلفت نظر أحد، ولم يلمس له أحد أي نشاط إلّا بعد انتقاله إلى وادي حضرموت وبداية حملته الهجوم على قيادة المجلس الانتقالي الذي لديه وزراء في الحكومة زملاء للوزير إياه.
الحضور الوحيد الذي يمكن أن يُحسَب للوزير حيدان هو أنه نجح في إشعال الفتنة في مديرية لودر (وهي بالمناسبة مسقط رأسه كما يقول البعض)، وذلك من خلال إقالة مدير أمن مديرية لودر، وهو من رجال المقاومة الأشداء المحترمين المعروفين بمواقفهم الحازمة، منذ تسليم أبين لتنظيم أنصار الشريعة والقاعدة في العام 2011، حتى مواجهة المشروع الحوثي وطرد جحافله من لودر واستمرار المواجهة معه في عقبة ثرة ومناطق آل بركان وغيرها، وقد استبدله الوزير حيدان بشخص مرفوض في كل مديريات المنطقة الوسطى، ويقال إنه أحد المحسوبين على الجماعات الإرهابية.
بغض النظر عما إذا كان ما يجري في لودر من مواجهات مسلحة عبثية سببها صراع الأجنحة الموالية للرئيس هادي مع الأجنحة الموالية لنائبه علي محسن، كما تقول بعض المصادر الموثوقة، أو بين الموالين لوزير الداخلية من الأتباع، والرافضين لتعيين جماعات الأفغان العرب في مناطقهم من أبناء لودر الشرفاء، أقول بغض النظر عن كل هذا فإن أحداث لودر تعبر عن حالة التخبط المزمنة التي يعاني منها وزراء مستحدثون من المحسوبين على "الشرعية الرئاسية".
فعندما يتباهى وزير داخلية باستفحال الجريمة وانتشار العمليات الإرهابية ويعتبرها نقطة تفوق لصالحه، ثم يترك كل واجباته في مواجهة الجريمة والفساد وانتهاكات حقوق الإنسان والتصدي للإرهاب والجماعات الإرهابية (دعوكم ممن يقولون إن الجماعات الإرهابية تنطلق أصلاً من معسكرات القوات "الشرعية")، أقول عندما ينسى الوزير كل هذا وينسى معه واجباته في حماية النظام والقانون، ويتفرغ لإزاحة مدير أمن مديرية صغيرة ممن يحبهم الناس، ويأتي بـأحد المقربين منه ممن يرفضهم هؤلاء الناس، فهذا لا يمكن ترجمته إلا على أنه الرسوب في أول امتحان، ما يكشف أن استمرار هذا الوزير في هذا الموقع لا يعني سوى المزيد من الفشل والإخفاق، مقابل فوزٍ مرتقب للأطراف المعادية، والمقصود هنا الجماعة الحوثية (العدو المفترض للشرعية) أما تنظيم القاعدة وداعش وتفريخاتهما فملفهما ما يزال محفوظأً لدى الجهة الرسمية التي تولت استجلاب الأفغان العرب من أفغانستان وإشراكهم في حرب غزو الجنوب في العام 1994م، ثم استيعابهم في المؤسسة العسكرية والإنفاق عليهم ورعايتهم واستمرار تأهيليهم ثم إيقاظهم عند الحاجة وتنويمهم عند الضرورة.
لودر الأبية التي هزمت "أنصار شريعة 2011"، ودحرت الجماعة الحوثية في 2015م، ورفضت الاستكانة لتجار المواقف والمستثمرين في الحروب، لن تكون إلا كما عهدها أهلها الجنوبيون الشرفاء مع الحق والعدل والحرية والكرامة، أما الطارئون فينبتون كما تنبت الفطريات بعد المطر، ثم يضمحلون كما تضمحل خلال أيامٍ قلائل، وعلى الأكثر بعيد ساعات من ظهورهم.
ألف تحية للودر وأبنائها الشرفاء.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك