لم يتجرع شعب من المآسي والألم والأزمات والمحن في أرجاء المعمورة كلها كما تجرع وعانى الشعب اليمني على مر تاريخه القديم والمعاصر، فهو يتوارث المعاناة جيلاً بعد آخر، وكأنه مكتوب عليه الخلود في هذا البؤس والألم، ليس لأنه شعب ميال لإثارة العنف وخلق المشاكل، وإنما لأنه بلي بقيادات سياسية وعسكرية واجتماعية فاشلة وفاسدة، جعلت من مصالحها الشخصية والحزبية فوق كل اعتبارات وطنية وأخلاقية، غير آبهة بما تسببت فيه من ألم ودمار وإحباط لعموم اليمنيين، ولنا أن نتأمل من يتصدر المشهد السياسي في بلادنا خلال هذه الحقبة السوداء حتى يتسنى معرفة حجم البلوى التي ابتلينا بها.
فالمواطن اليمني يعيش أبشع صور الذل والهوان والمعاناة على يد الطغم الحاكمة والمتفرقة، المرتهنة لمصالحها وأحقادها، والمتقوقعة في مخاوفها، أو المستمتعة بعمالتها للخارج وارتباطها بمخططات تدميرية لدول مارقة لا تخفى على أحد.
منذ أيام مضت تهللت أسارير الناس في العاصمة صنعاء وغيرها من المدن اليمنية المليئة بالأحرار الرافضين لحكم الكهنوت الحوثي، ولاحت أمامهم بارقة أمل بكنس هذه الجماعة المتخمة بالإرهاب والبطش والانتقام، وتابع الجميع تقدمات الأبطال في البيضاء، ويدهم على صدورهم من أي انتكاسة قد تغتال فرحتهم بالخلاص.. لم تدم الفرحة حتى باغتتهم مواقف الحكومة المهترئة وقياداتها السيئة برفض ما تسمى الشرعية مد واسناد أبطال الجنوب ورجال البيضاء وصناديد العمالقة في معركة سحق الحوثيين، وبدأت خيانة الإخوان العسكرية والسياسية والاعلامية تظهر تارة من خلال مهاجمة العمالقة وقوات الساحل الغربي، وتارة أخرى من خلال رفض وزير الانسحابات التكتيكية (الدفاع) دعم المقاتلين واشتراطه انسحاب صانعي النصر في زمن الهزائم (قوات العمالقة).
لم يتفاجأ الناس بموقف الشرعية ونائب الرئيس وجيشه المؤدلج، ولم يحنقوا من تصريحات المقدشي الذي لا يجيد سوى البحث عن العائد من مرتبات الجنود لسرقتها، فالكل متيقن بأن الخلاص لا يأتي بدعم من سلم البلاد وهرب، ولا باسناد جيش يعاني من مشاكل وعُقد نفسية كونه حزبيا وليس وطنيا، ولم يندهشوا لحجم التعاون والتخادم الحوثي - الاصلاحي، فهم شركاء وأعوان في صناعة البؤس والدمار والالم لليمنيين منذ عقدين من الزمن.
ولعل ما لفت نظري من خلال حديثي مع الكثيرين قناعتهم التامة بأنه لن يتحقق نصر في ظل قيادة الرئيس المتردد والمتخوف حتى من ذاته، والمأسور لدى نائبه وجماعة الإخوان، وليس من المبالغة أن أقول بأن الجميع شمالا وجنوباً باتوا على قناعة بأن تخليص اليمن ومؤسسات الدولة من الحوثيين لن يتم الا بعد كنس الإخوان قبل الحوثي، فمن يحشد لتحرير المحرر، ويفتعل المشاكل لنهب ثروات المحافظات المحررة لصالح الجماعة ويقامر بمستقبل ما تبقى من اليمن لأجل مخطط ورغبات منحرفي الدوحة وأنقرة، لا يمكن ان يكون عوناً وسندا، بل عدو وجب قتاله حتى يعود لرشده ان كان له رشد، وهذا هو السبيل الوحيد لتخليص اليمن من كل سوء وتطرف وارهاب والانطلاق نحو اليمن الذي يتطلع له اليمنيون بعيداً عن الخيانة والتآمر والفساد والفشل والخيبات.