اللغة كما يقال هي المفتاح الأول لاكتشاف طبائع الشعوب. فلغة أي شعب، وأسلوب تعاطيه مع المفردات، والألفاظ والعبارات اليومية، تحكي الكثير عمّا مر به اجتماعياً. والألفاظ المحكية للشعوب، وأمثالها الشعبية، تحكى عن طريقة تعاطيها مع الأزمات، والمنعطفات، وتكشف عن العلاقات بين مختلف فئاتها الاجتماعية.
"يا متعلمين يا بتوع المدارس"، هي عبارة شائعة شعبياً، ومستخدمة كثيراً عند الرغبة في الاستهزاء والسخرية من الأشخاص الذين يغالطون مفهوماً مجتمعيّاً عاماً، أو متفقاً عليه، وغالباً تُستخدم للسخرية من حذلقة الآخر، أو تذاكيه، وكذلك يا (فيلسوف) أو يا (فصيح) كما هو الحال في مجتمعنا اليمني عندما يريد أن يستهزئ بقول أو شخص ما، ويصادر رأيه وحقه في التعبير.
ثقافة السخرية من المختلف لا تتوقف على حالة واحدة، بل هي عامة. لدينا في اليمن، وخصوصاً في المناطق الواقعة تحت سيطرة جماعتي الإسلام السياسي (الحوثي، الإصلاح) مصطلحات جديدة ألفاظ أنتجتها نخبة الجماعتين وعوامها، وموجهوها نحو هذا الدمار الذي لم يستثن أي رابطة من روابط التعايش، ألفاظ فيها من المزايدة والعنصرية ما يكفي كي تعيش لأجيال على ألسنة الناس، وتبقى محركة للأحقاد والفعل وردة الفعل لسنوات كثيرة. فالشباب اليمني الموالون لهاتين الجماعتين تشكلت لديهم نظرة فوقية تجاه المختلفين عنهم من (المؤتمريين أو أبناء الجنوب) ووصلت مؤخرا للمغتربين، الأوضاع السيئة في اليمن، وظروف الشباب المأساوية، وانعدام فرص المستقبل في البلد الممزق بحرب الحوثي والإصلاح العبثية ضد الدولة والمجتمع اليمني والتي بدأت قبل عقد من الزمن، جعلت رد الفعل الوحيد، أو المواساة الوحيدة، لدى فئة من أتباع الحوثي الذين هم وقود حربه وحطب معاركه، مواساتهم الوحيدة هي شعورهم بالتفوق والأصالة، لأنهم لم يتركوا بلدهم، كما يتشدقون ليل نهار،
في كل حديث سياسي، ولاحقاً اجتماعي، أو ثقافي، يستخدمون عبارة: "إنتو المغتربين"، أو حتى "إنتو العفافيش"... خونة أو لستم وطنيين، واللفظان يُستخدمان كوصمة عار يرغب قائلهما بإلصاقها بالمخاطَب، من باب إشباع نزقه والكذب على ذاته ومغالطة نفسه.
هذه النزعة تجاه المختلف من المؤتمر تحديداً وأبناء الجنوب ووصولاً للمغتربين الذين تستهدفهم آلة الإسلام السياسي بالتخوين والتبعية وغيرها من الألفاظ والتهم التي هي في الحقيقة صفات وعلامات من يطلقها، وللأسف أصبحت هذه الألفاظ مفهوماً وطنيّاً عند البعض، فهم يرون أنهم الأكثر وطنية، وتعلّقاً بالوطن، وصموداً. وهي في الحقيقة نرجسية فارغة ليست شعبية فحسب، بل رسمية أيضاً، ولا تميّز حتى بين مَن هاجر بمحض إرادته، وبين مَن اضطر إلى الخروج من بلده لاجئاً، بسبب الحرب، أو القمع والإرهاب الذي تمارسه جماعة الحوثي شمالاً والإصلاح في المحافظات الشرقية وتعز ومحاولاته استهداف المحافظات الجنوبية متدثرا بالشرعية النائمة الفاشلة.