كتب الباحث المصري الشهيد فرج فودة، في عام 1991، توصيفاً دقيقاً لجماعة الإخوان المسلمين خاصة وجماعات الإسلام السياسي على وجه العموم، تنبأ فيه نهايتهم والمآل الذي سيصلون إليه عندما قال: "سوف يكونون في النهاية ضحايا كل ما يفعلون.. وسوف يدفعون الثمن غاليا حين يحتقرهم الجميع، ويرفضهم الجميع، ويطاردهم الجميع".
وهذا بالفعل ما وصلت إليه جماعة الإخوان وجماعات الإسلام السياسي عموماً بعد أن انكشف زيفهم وظهر عوارهم وعرف إرهابهم وعمالتهم، وتبدت كل سوءاتهم منذ 2011 وحتى اليوم.
لقد أثبتت الأحداث، والحقائق التي نزعت الرداء الذي لطالما تدثرت به جماعات الإسلام السياسي، والشعارات التي رفعتها طيلة مسيرتها المشبوهة سياسياً واجتماعيا، أن مرتكزات الإسلام السياسي كلها واحدة، تتلخص في: عودة الخلافة ونبذ الوطن؛ الأسلمة ورفض المواطنة؛ واحتكار الإسلام بترهيب كل من يحاول إعمال العقل، وتبصير العامة بالحقائق، وتحديث الخطاب الديني، ونقد الشخصيات الصنمية التي تعد العامل المحرك لاستقطاب العوام والبسطاء لهذه الجماعات من خلال دغدغة مشاعرهم الدينية وتوزيع الأماني والوعود الكاذبة، ولذلك رأينا في مصر وتونس، وفي بلادنا المنكوب بجماعات الإسلام السياسي المتطرفة بشقيها (الإصلاح ومن فرخهم من جماعات الطرف، الحوثي) رأيناهم ولسان حالهم يقول: نعم للاقتراع الذي قد يقودنا للحكم؛ ولكن لا للديموقراطية بمفهومها الشامل والقائم على الحريات المدنية والفردية، ولذلك نجدهم أعداء للحرية الفعلية والمدنية الحقة سواءً الحوثيين في صنعاء وغيرها من المحافظات الشمالية، أو الإصلاح الذي حول مارب والآن شبوة إلى إمارة خاصة وما زال يدفع بمتطرفيه اتجاه المحافظات الجنوبية، وما زالا معاً -الإصلاح والحوثي- يرفضان قيام دولة حقيقية ترتكز على النظام والقانون، والحرية والديمقراطية في وفاء مطلق للمرشد الأول لتنظيم الإخوان الإرهابي حسن البنا الذي قال: «أستطيع أن أجهر بصراحة بأن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا».. وتسييس المسلم طبعا وفق فكرهم، هو أن يكون عضوا في الجماعة: مناصرا أو مقربا أو مجاهدا أو قياديا، وإلا فإسلامه ناقص..؟. المعنى واضح جدا لدى هذه الجماعات، والنقاش فيه مرفوض بل هو كُفر وردة.
فالنهج الذي تتبعه جماعتا الإسلام السياسي في اليمن (الإصلاح والحوثي) هو الإسلام، ومن عارضه فقد خرج عن جبة الإسلام.. حكم جاهز؛ ولا شيء أكثر انحطاطا من الأحكام الجاهزة، لأنها لا تقبل التناقض وتهاب كل جديد. لذلك فالأصولية معضلة ما دام الغباء الإنساني لا يكمن وفق نيتشه، إلا في ذلك الهلع المفرط من التغيير.
تلك هي المفارقة التي لن تسمح بأي مستقبل سياسي لهذه الحركات المتأسلمة في ظل تحول جارف في وسائل الإنتاج يشترط وضعا مغايرا للدولة الحديثة، اعتمادا على منظومة من الانفصالات، مثل: انفصال السياسة عن الدين/ التشريع عن القضاء/ الدولة عن المجتمع المدني/، وبما يضمن العدل والكرامة والمساواة والإنصاف بين كل المواطنين بغض النظر عن معتقداتهم أو إثنياتهم.. القاسم المشترك هو المواطنة التي تستمد قيمتها من الولاء للوطن، وجوهر الديموقراطية لا يتحقق إلا بضمان الحقوق المدنية.
على الدوام طرح الإسلام السياسي نفسه حاميا للدين ومدافعا عنه؛ والحقيقة أن الإسلامويين باختلاف تياراتهم هم من أساءوا للإسلام عندما لم يتصوروا له وجودا خارج دولة الخلافة.. لقد جعلوا العالم يسخر منا عندما أطنب دعاتهم في الدعوة إلى الطهرانية وهم الذين عرتهم فضائحهم عبر التاريخ المتشبع بمساوئهم في اليمن ومصر وتونس وغيرها من البلدان التي أصيبت بآفة تنظيم الإخوان، وجماعات الإسلام السياسي عموماً.
واليوم ونحن نشاهد منذ أسبوع الصحوة التي قادها الرئيس والشعب التونسي، أتصور بأن كل إسلاموي يشعر إزاء ما يحدث في تونس بالجرح العميق، ليس لأنهم اندحروا خارج السلطة؛ ولكن لأن ذلك قد حدث بسبب غضب شعبي لطالما كانوا يتسلقون موجات الغضب، ويتصدرون المشهد كمعبرين عن الشعوب، ولكنهم اليوم منبوذون مكروهون، ملعونون أينما ذكروا، الناس في تونس اليوم باتت تكره النهضة أكثر من كرهها السابق للطرابلسية؛ وقبل تونس كره المصريون جماعة الإخوان ورفضوهم سياسياً واجتماعياً، وكذلك الحال في اليمن وإن كان وضع هذه الجماعة أفضل حالاً عما هي عليه في مصر وتونس. كونها في اليمن تمتلك (جيشا، وتمسك بزمام المراكز الحساسة في جسد الشرعية والحكومة المعتل، وتمتلك دعم التحالف الذي يعاني من تشوش حاد في مدى رؤيته للأمور رغم الخيانات التي كُشفت عن هذه الجماعة).
ما يجري اليوم نستطيع أن نسميه سقوط القناع عن القناع، وكما كتبت الواشنطن بوست منذ أيام بأن ما يحدث في تونس هو آخر فصل في مسرحية الربيع العربي، ولكن التعبير الصحيح أنه آخر فصول ملهاة الإسلامويين؛ إذ وبعد إنزال الستارة سيكون الربيع العربي الحقيقي، الربيع الديموقراطي المنطلق نحو البناء وليس العمالة والتمكين والهدم والإرهاب.
فهل سوف يعي أتباع هذه الجماعات، وعقلاؤها إن كان هناك من عقلاء، ويعرفون حق أوطانهم عليهم؟ ويبقى السؤال، هل الإسلامويون أوفياء للوطن الذي يحملون جنسيته حقا وهل هم نصراء لقيام دولة مدنية؟ أم هم مجرد أدوات تتحرك وفقاً لأجندة خارجية تنسجم مع مصالح الجماعة التي تصنع لها كل فترة صنماً تلتف حوله وتقدسه.