بدر العرابي

بدر العرابي

تابعنى على

أزمة اليمن والسقوط الأخلاقي المحلي والإقليمي والأممي

Tuesday 10 August 2021 الساعة 04:48 pm

الأزمة في اليمن، من زاوية ورؤية فوقية، تشير لسقوط أخلاقي ذي مستويين: 

الأول: سقوط أخلاقي داخلي محلي، مصدره النخب السياسية التي تناوبت على حكم اليمن (على الأقل منذ عام 1990م حتى اللحظة الراهنة).

الثاني: سقوط أخلاقي عربي وأممي.

أما السقوط الأخلاقي المحلي، فمصدره الفساد الأخلاقي الذي مارسته وما تزال تمارسه النخب السياسية، بإيعاز من رؤوس الأنظمة السياسية المتعاقبة، التي تناوبت على حكم اليمن منذ 1994م حتى اللحظة الراهنة.

وتتجسد ملامح هذا السقوط، عند النخب السياسية المحلية (أفراداً أو كيانات سياسية) في انحراف غايات الاشتغال السياسي، عن الأهداف الوطنية والقيم الإنسانية، كأهداف وغايات إنسانية كبرى، لحساب صعود الأهداف الذاتية وتورم الذوات، أحزاباً وأفراداً، حتى غدا الوطن والأمة، أشبه بنقاط ضحلة لا تكاد تُرى. ومن السهل التهامها، في ظل استمرار تمدد وتصخم ذوات النخب السياسية في مساحات لا متناهية من الشذوذ السلوكي المنحرف عن طبيعة الإنسان السوي.

وقد وجدت تلك الذوات حاضنات سياسية مرنة للتطويع والانقياد، لممارسة شذوذها السلوكي الذي تصاعد حد الوقاحة والانفلات من منظومة القيم الإنسانية السوية، ويدعمها ويحميها القانون والدستور واللوائح الرسمية المستحدثة باستمرار، التي تشرعن سلوكها الشاذ، كلما اتسعت مساحة شذوذها؛ حتى غدت الدولة والنظام السياسي وسائلَ خادمة، غايتها تكييف تدفق خزينة الدولة والمال العام إلى جيوبها بشكل من الوقاحة المشروعة رسمياً وبدعم من اللوائح الرسمية المستحدثة، وفقاً للحاجة.

استفحل شذوذ هذه النخب حتى تحول إلى سلوك اعتيادي، في نظرهم ونظر الشعب، حتى غدت الوظيفة الحكومية مصدراً استثمارياً للاهثين وراءها، وغدت حلماً مشروعاً لمن لديه استعداد للشذوذ عن القيم الإنسانية السوية.

وقد بلغ شذوذ تلك النخب في اللحظة الراهنة؛ إلى إمكانية ممارسة الشذوذ والسلطة واستمرار تدفق المال العام إلى جيوبهم، عن بعد، وبعيداً عن أبصار الشعب والأمة، وذلك حلم لم يكونوا يتوقعونه أبداً.

وبدلاً عن غطاء النظام السياسي في الداخل، وجدوا غطاءً إقليمياً وأممياً، لممارسة شذوذهم واستمرار تدفق المال العام، وبالعملة الصعبة، دون كلفة أو جهد سياسي ووظيفي أو مهني.

إنه الحلم الذي غدا حقيقة؛ فكل شواذ المجتمعات الأخرى، غير اليمن، يحالون للمحاكم ويتم إدانتهم؛ إلا شواذ اليمن؛ يعبثون في الداخل، وحين يصلون حد التخمة، يفكرون بشراء منازل وعقارات خارج الوطن، ثم يرحلون كساسة وثوريين أُجبروا على الرحيل من الوطن إلى المنافي؛ فيما يستمر جسر إفراغ المال العام، من الداخل إلى أرصدتهم التي نقلوها مسبقاً إلى بنوك الخارج.

العجيب والغريب والمدهش؛ أن الإقليم العربي، بما فيه دول الخليج (السعودية / قطر) ومصر وتركيا؛ تستضيف هؤلاء الشواذ، كمطاردين سياسيين ومنفيين أبطال؛ وهي تدرك جداً تدفقات المال العام، من البنك المركزي اليمني، إلى جيوبهم، وتمنحهم مساعدات؛ في الوقت الذي يتحدث إعلامها على تفاقم الوضع الإنساني في اليمن والمجاعة وانعدام الخدمات وما أسموه بالوضع الكارثي في اليمن.

والأكثر مرارة أن الشعب في اليمن شمالاً وجنوباً قد أدركوا، بما لا يدع مجالا للشك؛ أن هؤلاء الشواذ هم مصدر معاناتهم وألمهم وعوزهم الشديد؛ ولا يطيقون عودتهم للداخل؛ وأكثر الأكثر مرارةً؛ أن هؤلاء الشواذ، يرون، في باطنهم، أن أي استقرار أو حل للأزمة اليمنية، وإحلال للسلام في اليمن _ يرون فيه تعطيلاً لما اكتسبوه ويكتسبونه من أموال، من الداخل والخارج.

لذلك فسيستميتون بقوة، في الإبقاء على الوضع هكذا؛ فلا شيء يبقى يربطهم بالداخل؛ إذ ضمنوا تدفق المال العام لخزائنهم في الخارج، بأريحية ومرونة، هم وأولادهم وأحفادهم؛ ومن ثم فالأزمة والصراع في اليمن، وإبقاء الأزمة في اليمن، هي تجارتهم الرابحة التي يجب أن لا تنتهي.

أما السقوط الأخلاقي العربي والأممي، فمصدره ممارسات وموقف الإقليم العربي (مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية) والموقف الأممي (مجلس الأمن والأمم المتحدة) مما يدور في اليمن.

فالإقليم العربي لم يبدِ أي مصداقية لحل الأزمة الفعلية في اليمن؛ منذ انبثاقها؛ في عام 1994م حتى اللحظة الراهنة، باعتبارها قد خلفت وضعاً إنسانياً يمس استقرار حياة الإنسان اليمني جنوباً وشمالاً.

إذ منذ تعطيل اتفاق الوحدة اليمنية، بإعلان الحرب على الجنوب وإخضاعه بالقوة العسكرية، ثم ضمه للشمال في تحد صارخ للقرارات والمواقف العربية والأممية؛ وتعطيل وإبطال الاتفاق السلمي في 22 مايو 1990م، بين الجنوب والشمال، ثم صمت الإقليم ومجلس الأمن عن اختراق قراراتهما والضرب بها عرض الحائط _ منذ ذلك ومعاناة الإنسان اليمني تتفاقم (حروب وانقلابات وبطش وتنكيل وتحول اليمن جنوباً لجغرافيا حاضنة للقاعدة والقوى الإرهابية وللأحزاب السياسية الإسلامية المتطرفة، وكذا تفشي التناحر والصراع الجهوي بين الجنوب والشمال وتوسع رقعته، انتهاءً بتدخل طائفي إقليمي وصراع طائفي؛ يكاد يخرج جزء من اليمن (الشمال) عن عروبيته وقوميته وإرث متراكم من العداء والتناحر الطائفي والجهوي).

ويتجسد الفساد الأخلاقي الإقليمي والأممي؛ في عدم الجدية في حلحلة الأزمة اليمنية وفقاً لمرجعياتها التراكمية؛ منذ يوليو 1994م حتى اليوم؛ إذ يتم فقط التركيز على نتائج وأعراض الأزمات المتراكمة؛ وآخرها سيطرة أنصار الله (الحوثيين) على السلطة شمالاً وطردهم الشرعية والحكومة؛ وكذا الصراع بين المجلس الانتقالي والشرعية جنوباً، بعد أن تم طردها من صنعاء.

وتلك أعراض فقط، مثلما أعراض المرض؛ فالإصابة بالحمى والألم في الجسد؛ تأتي من مسببات عضوية ومرضية؛ وعلاج الحمى والألم؛ ليس سوى وسيلة لتعطيل تأثير المرض العضوي والبيلوجي، وفي الغالب، لعلاج المرض جذرياً، لا بد من تتبع تاريخه والتراكمات البيلوجية له عبر الزمن.

إن الخلل الإقليمي في موقف التحالف العربي من الأزمة، يكمن في تداخل أهداف وغايات إقليمية، دفع ويدفع بها صراع طائفي مشتغل خارج الجغرافيا اليمنية؛ الأمر الذي جعل وما يزال يجعل معاناة الشعب اليمني شمالاً وجنوباً؛ ليست منطلقاً مباشراً ورئيساً للحل؛ وذلك يتحمل مسؤوليته التحالف وبالتحديد المملكة العربية السعودية وأنصار الله (الحوثيين) وما تسمى بالشرعية اليمنية الهاربة، والأمم المتحدة.

فإلى اللحظة الراهنة لم نلمس، بعد، أي مؤشر لدى التحالف العربي أو الأمم المتحدة لمصداقية مباشرة في رفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني شمالاً وجنوباً.

إذ ما تزال معاناة الشعب اليمني، شمالاً وجنوباً من حرب وتقويض استقرار المعيشة والتنكيل والقتل والتشريد بالشعب شمالاً وجنوباً، جارياً، دون أن يكون محط أنظار والتماس الإقليم العربي أو الأمم المتحدة.

ومن ثم فالتسوية بين الصراع الإيراني والسعودي، فيما يخص النفوذ في المنطقة العربية؛ هي الهاجس المشتغل لدى الإقليم والأمم المتحدة؛ مع دخول مصالح دولية في الخط، يدفع بها الصراع بين أمريكا وإيران.

إن التعامل مع ما يحدث من معاناة إنسانية، في اليمن، من قبل التحالف والإقليم العربي، ثم الأمم المتحدة؛ إنما يشير إلى حجم السقوط الأخلاقي واستمراء العبث بالإنسان والإنسانية؛ حينما يتم إهمال معاناة الإنسان لحساب تحقيق مكاسب ومصالح دولية خارج الجغرافيا والأرض المحروقة، التي تم جعلها منطقة للصراع المباشر بين الأطراف الخارجية، وما نتج وينتج عن هذا الصراع، من معاناة إنسانية، يعد السكوت عنها والتمادي عن إيقافها، سقوطاً أخلاقياً وإنسانياً مدوياً؛ يضع علامات استفهام مكثفة أمام الأطر الإقليمية والإنسانية والأممية.