جلال محمد
الاستغناء عن العمالة اليمنية.. جريمة تتحملها الشرعية
منذ أكثر من أسبوع والناس مشغولون بالقرار (غير المعلن) الذي اتخذته السعودية بالاستغناء كلياً عن العمالة اليمنية في أربع مدن رئيسية في المنطقة الجنوبية للمملكة، ووجهت السلطات هناك إنذارات نهائية لجميع المنشآت في الجنوب، التي لديها عمالة يمنية، حصرا بإنهاء عقودهم ومنع إيوائهم أو تجديد عقود السكن لهم في هذه المناطق، خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر.
هناك ما يقارب من 800 ألف مغترب يمني بمحافظات جيزان وعسير والباحة ونجران، يواجهون خطر الترحيل في أي لحظة، نتيجة لهذا القرار الذي ستكون له تبعات ونتائج سلبية على اليمنيين، وأسرهم في الداخل، خصوصاً في ظل الظروف الإنسانية القاسية التي تخلّفها الحرب الضروس القائمة في بلادهم منذ 6 سنوات.
ما تتخذه السعودية من قرارات أمر سيادي وخاص بها، سواء كان نتيجة مخاوفها الأمنية أو رغبتها في إحلال رعاياها في مختلف المهن والوظائف التي يشغلها اليمنيون وغيرهم، ولكن في الوقت نفسه ينبغي على السعودية أن تتفهم انعكاسات هذه القرارات على بلد جار وشعب شقيق كاليمن، وما ستؤدي إليه من نتائج سلبية على حياة المواطن اليمني وارتفاع نسبة البطالة والفقر في البلد الممزق بالحرب، والأسر اليمنية المعتمدة بصورة كبيرة على تحويلات أبنائها المغتربين في المملكة، والذين أسهموا إسهاماً كبيراً في انتشال أسرهم من الفقر والعوز، وإن كانت ضريبة ذلك الانتشال هو الاغتراب والبعد عن الوطن والأهل.
لا شك أن للسعودية مخاوفها الأمنية التي جعلتها تتخذ هكذا قرارا، ولعل ما تم تسريبه من تحريض ضد اليمنيين من قبل بعض المثقفين أو المحاضرين العسكريين باعتبار كل يمني (جاسوس محتمل)، يؤكد أن الدافع وراء قرار الاستغناء عن العمالة اليمنية في المنطقة الجنوبية للمملكة هي المخاوف الأمنية، فالسعودية لها الحق في حماية أمنها الداخلي واتخاذ خطوات استباقية تهدئ مخاوفها، خصوصاً وأنها لم تجد حكومة يمنية رشيدة تتحلى بالمسؤولية تجاه شعبها وجيرانها، ولم تجد أي أثر لتحرك حكومي يمني يهدئ من مخاوف وتوجسات السلطات السعودية، بل أنها عاجزة تماماً في إيجاد شخصية حكومية يمنية من القابعين في فنادق الرياض يفكر في اليمن كوطن، والسعودية كـ"جار وأخ شقيق"، فما لمسته من المسؤولين خلال ست سنوات من استضافتها لهم مجرد شخصيات فاشلة فاسدة، تنظر للسعودية كمورد من موارد الإثراء وخزينة مفتوحة للاحتيال عليها باسم تحرير اليمن، رغم أن الشواهد أثبتت أكثر من مرة خيانتهم وتآمرهم على وطنهم وعلى المملكة أيضاً.
ست سنوات من الدعم والإسناد والمشاركة بالدم والمال في القتال لجانب هذه الحكومة ومنظومة الشرعية بكافة تكويناتها (الحزبية والعسكرية والسياسية والقبلية) لأجل استعادة اليمن من براثن الحوثيين -الذراع الإيرانية في اليمن- إضافة لعشرات المليارات التي تم ضخها من قبيل الودائع النقدية والمساعدات ومنح المشتقات النفطية، كل ذلك لم ينتج سوى مزيد من التمدد الحوثي، ومزيد من التخادم بين الحوثي وبعض أطراف الشرعية، والذي ظهر في شكل انسحابات وخيانات في الجبهات القتالية، والدفع بتعزيزات وحشود عسكرية إلى مناطق محررة بدلاً من التوجه نحو العاصمة صنعاء، فهل من المنطق أن تجد السعودية في هكذا قيادة ما يؤمن مخاوفها، ويشعرها بأن الأمن القومي للبلدين مشترك فعلاً ويعمل على ذلك، وبما يضمن حسن الجوار، والتعاون البيني للتغلب على كل ما يعكر صفو العلاقة التعاونية بين البلدين؟!!
إننا اليوم أمام مأساة كبيرة سيتعرض لها الشعب اليمني جراء هذا القرار، ولكن للأسف ليس هناك من يكترث للمواطن، فالمواطن اليمني بلا دولة، ولا حكومة تحل ما يعترضه من صعاب ومشكلات، فالدولة تمزقت بين فرقاء السياسة من الأحزاب والجماعات المتطرفة.
فالحكومة وشخوصها والشرعية وقياداتها لا يهمهم ما يجري في اليمن أرضاً وإنسانا، فقد استبدلوا الوطن بغرفة في أحد فنادق الرياض، أو شقة في تركيا أو القاهرة، وأقصى ما سيعملون عليه هو مجموعة تغريدات في تويتر أو بث مباشر في الفيسبوك، وهذا بنظرهم كاف، وما أصعب أن تكون القيادة قيادة "افتراضية" تتعامل مع شعبها من عالم افتراضي هو "الإنترنت".
أما الحوثي، فلا يهمه جوع اليمنيين، أو موتهم، فهو فقط ينتظر بفارغ الصبر للشباب الذي سيتم ترحيله إلى المناطق الواقعة تحت سيطرته، حتى يغذي فيهم روح الحقد والانتقام، ويستخدمهم كوقود إضافي في معركته ضد اليمن وجيرانه، وحتماً سيبيع لهم الوهم والكلام المعسول وينهب ما تبقى لديهم من غربتهم باسم دعم المسيرة والمجهود الحربي، ولن يكترث لأي أمر آخر، وإن تحدث سيتحدث من باب المزايدات ليس إلا، وكعادته سيتناسى أنه المتسبب الرئيس في هذه المأساة من خلال عمله "كقاتل مأجور" يأتمر بأمر الحرس الثوري الإيراني، وينفذ مخطط التدمير لليمن، وهذه هي مهمته الموكلة إليه، تحويل اليمن إلى مستنقع ومنطلق لإيذاء السعودية خدمة لإيران وملاليها.