خلال أقل من شهر، تسارعت الأحداث في أفغانستان، لصالح حركة طالبان التي سيطرت على كامل التراب الأفغاني وهروب الرئيس المنتخب أشرف غني، وكبار القادة الأفغان، في مشهد غير متوقع أن يتحقق بهذه السرعة، التي أربكت حتى "المخطط" العام لما يجري، وذهول وإحباط عام أصاب الشعب الأفغاني.
طالبان التي اجتمعت أمريكا والناتو وغيرهم لقتالها قبل عشرين عاماً، تحت مبرر القضاء على الإرهاب والتطرف، وانتزاع أفغانستان من براثن الجماعات الدينية المتطرفة التي شكلت غطاء وملاذاً آمناً لعدد من التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم القاعدة، تقود زمام الأمور في أفغانستان، بعد الانسحاب الأمريكي، وعقب مفاوضات طويلة بين الجانبين، لم تخلُ من الصفقات الخفية والظاهرة بين أعداء الأمس، وأصدقاء اليوم، والتي حتماً ستظهر تفاصيلها عما قريب.
ما يشد الانتباه في خضم هذه الأحداث، هو تصريح وزير الدفاع الأفغاني بعد هروب الرئيس "الشرعي"، بأن الرئيس "كتف" أيديهم، وورط نفسه وأدخل الشعب في ورطة كبيرة، هذا التصريح ذكرني بما كانت تردده الرئاسة اليمنية في 2014 ووزارة الدفاع آنذاك، عندما احتدمت المعارك مع جماعة الحوثي بداية من دماج ووصولاً إلى صنعاء، وقولها إن المؤسسة العسكرية تقف على الحياد!! رغم أن البلد كان ينتهك والجمهورية تصارع وحيدة ومؤسسات الدولة تترنح على وقع ضربات الفساد والخيانة إضافة للهمجية الحوثية.
نفس المخطط الذي تم إسقاط اليمن به، تم تكراره في أفغانستان، جيش وأمن على الحياد، ورئاسة تهرب، وقيادات إما تختفي أو تغادر خارج الوطن، وهذا يؤكد أن المخرج الدولي هو واحد، فمن رسم لطالبان العودة رغم تهم الإرهاب والتطرف، هو ذاته من رسم المخطط للحوثي، وما زال يحميه حتى اليوم، والحماية ليست بالضرورة أن تقتصر من خلال إفشال أي عمل سياسي جاد أو توجه عسكري حازم، بل من خلال إيجاد حكومات ضعيفة فاسدة، عاجزة، لا تحظى بالقبول الشعبي، ولا تقوم بأي واجب من واجباتها، وهنا يسهل على أي جماعة معارضة أن تسقطها وتنفيها، نظراً لانعدام الصلة والتواصل والشعور بالمسؤولية من قبل الحكومات تجاه الشعوب.
لم يعد هناك من تنطلي عليه كذبة عداء الجماعات الإسلامية لأمريكا وإسرائيل، وفي سبيل السلطة والحكم تقدم هذه الجماعات كل ما لا يمكن تصوره من العمالة والتماهي والتآمر.
فهل يا ترى عودة طالبان كانت بمجهود شخصي، أم برغبة أمريكية!!! لكي تلعب الحركة دوراً آخر يناط بها، ويتم توجيهها ضد دول تخوض معها واشنطن حروباً باردة، كالصين وغيرها، ويقيناً لن يتم تحريك هذه الحركة ضد إيران، لأن كلاهما ينفذان المخطط وإن اختلفت الأساليب.
وهل يا ترى ما يحدث في أفغانستان، يكشف عن توجه جديد للإدارة الأمريكية في تسليم الشرق الأوسط وما حوله للجماعات الإسلامية المتطرفة؟ لتبدأ دوامة أخرى من الصراع المذهبي المدار أمريكياً، والمدمر لشعوب المنطقة.. وهل ما يجري هناك رسالة بأن الدور القادم هو دور الحركات والمليشيات المسلحة كي تحكم وتتحكم مستقبلاً؟!
ما ينبغي الإيمان به، هو أن أمريكا وغيرها لا يمكن أن تقاتل نيابة عن شعب أو حكومة لا يريدون الخلاص لأنفسهم، ولا يمكن أن تظل حامية لطغمة من الضعفاء الفاسدين، فهل تتعظ ما تسمى بالشرعية، والأحزاب المتحلقة بها أو المتحكمة فيها، مما يجري، ويعملون على تصحيح مسارهم وإن كان هذا التصحيح متأخراً، ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي.
فهل يلتقطها اليمنيون عموماً من مختلف التوجهات الوطنية المخلصة، ويقفون إلى جانب بعضهم خدمة للوطن وإنقاذاً للشعب، والجمهورية، كي لا يتم تسليم كل شبر فيها للحوثي أو غيره من الجماعات المتطرفة.