لا شيء في صنعاء يشبه صنعاء التي نعرف، غالبية الناس منهكون بأوجاع وحسرات لا تنتهي، البؤس يعلو كل شيء حتى واجهات المنازل التي تعاني من فوضى الشعارات المتنقلة بين صرخة وولاية وبكائيات الحسين، حزينة صنعاء، بكل ما فيها، لا مكان للفرح فيها، فهناك أنين مكبوت، ألف صورة طفل قتلته عنتريات الحوثي واستغلاله لسذاجتهم وتصديقهم لخرافات يجترها الحوثيون من غابر الأزمان.
صنعاء الحزينة أيضاً كونها تعرضت لأكبر (خازوق) عندما صدقت أن الساسة والمشايخ والقادة والمثقفين والمفكرين الذين لطالما تغنوا بها وجمالها، وظنت رغم أن بعض الظن إثم. أنهم سيحمونها ويحافظون عليها، ولكن الوقائع أثبتت أنهم خذلوها وفروا منها، وتركوها أسيرة الانتقام الإمامي والظلم الكهنوتي المتدثر بالدين والمذهب، وكأنه قدرها التعرض لنكبات واضطهاد ونهب الأئمة عبر التاريخ، تركوها ولم تسلم أذاهم وهم فارون، ولم تنجُ من جلدهم لها كل يوم، وهم يصبون عليها تهم الخيانة والخنوع والحوثنة.
الناس في صنعاء مواطنون عزل كما في بقية المحافظات، ولا أعني أنهم لا يملكون الإرادة والرغبة في الخلاص ولكن.. ماذا تفعل البندقية مقابل الدبابة؟ والقذيفة أمام الصاروخ، وما سوف تجني هذه المدينة أو غيرها، سوى الخذلان والتآمر والخيانة من طرف الشرعية، وهي قد رأت وشاهد سكانها كيف وقفت الشرعية إلى جوار الحوثي في مطالبته بوقف معركة تطهير الحديدة، ورأى الناس كيف خذلت حجور، والعود، والبيضاء، ووادي آل جبارة، ونهم والجوف، وحتى مارب، كيف لهم أن يتحركوا وهم يعلمون أنهم سيكونون لقمة سائغة لبطش الحوثي، ولن يصلهم شيء أكبر من وعود فارغة، وندب وتنديد المجتمع الدولي.
صنعاء وحجة وعمران والمحويت والحديدة وكل محافظات الجمهورية تلفظ الحوثي، وتكره نهجه وفكره، واستعلاءه، وتعلم أن السلام الذي يريد العالم أن يقبله الحوثيون ضرب من الخيال، فالجماعة تترعرع في ظل الدمار وتعرف أن بقاءها مرتبط بالقتال والموت، ولكن ماذا يفعل المواطنون وهم لا حيلة لهم، ماذا عساهم أن يفعلوا أو يقولوا وهم كما بلادهم مبتلون بشخصيات سياسية وشرعية لعينة تحرث في الماء، ولم يفهموا -أي السياسيين والشرعجيين- بأن حديث السلام وهم، وأن انتظار تعقل الحوثي سراب، ففاقد الشيء لا يعطيه ولا يتعامل به.
السلام تصنعه القوة، ويفرضه السلاح، عندما يعرف الحوثي أنه سيزال، وينكسر في جميع الجبهات سيلهث خلف السلام.
لكن ما دام والساسة يعادونه ظاهرياً ويتواصلون به سراً وعبر قنوات خاصة وشخصيات مقربة ويرسلون رسائل الإعجاب بما يفعله في هذا المكون أو ذاك، وما دام الوضع العسكري كما هو (تشتعل جبهة ويتم إيقاف بقية الجبهات) حتى يستفرد الحوثي بتلك الجبهة ثم يتقدم تجاه الأخرى. وما دام والجيش الذي يفترض أن يتقدم نحو صنعاء، يتراجع ويحشد صوب عدن. ما دام كل ذلك موجوداً سيطول حزن صنعاء وغيرها، وكل يوم ستكون غريبة وبعيدة أكثر.