روي تاريخيا، أن هامان وزير فرعون، كان مطلعاً على جميع أسرار فرعون، ويعرف أن كل ما يتشدق به الفرعون مجرد ادعاءات يدعيها على نفسه، ليرهب منه أبناء شعبه. وفي يوم من الأيام، دخل هامان على فرعون، فقام الحاجب بمنعه من الدخول، بحجة أن فرعون مشغول بخلق الإبل، وفي اليوم الثاني قابل الوزير هامان فرعون، فعاتبه على منعه من الدخول بالأمس.
فقال له فرعون: كنت مشغولا البارحة بخلق الأبل، فالتفت إليه هامان باستغراب واستهجان قائلاً: على هامان يا فرعون!
فصارت جملته مثلاً، تناقلته الأجيال، ويضرب ذلك المثّل عندما يدعي أحد ما أمراً بالكذب، محاولاً خداع من يتحدث معه، فيقال ذلك المثل تأكيداً أن متلقي الكلام لم يصدقه، بل وواثق من كذبه.
والشاهد في هذه المروية أو المثل التاريخي، أن الأحمق هو من يمضي به العمر ولا يتعظ بالوقائع، فالحياة تجارب مُرة لا بد من استثمارها والتعلم منها، والحكمة نتاج التجربة وهي أن تتبع مكامن المعرفة والدراية وتحتكم إلى العقل والضمير في المواقف الصعبة، ومن تساوى يوماه فهو مغبون، وهذا ما كان يجب أن يتعلمه الجنرال علي محسن من خلال تجربته العسكرية والسياسية السرية والعلنية، ويتعظ مما جرى ويجري، نتيجة الأكاذيب والتظاهر بأمر هو ومن على شاكلته أبعد ما يكونون إليه -الوطن والوطنية- أقصد.
في حوار أجرته مؤخرا صحيفة عكاظ السعودية، حاول الصحفي سام الغباري، أن يقدم علي محسن بصورة تلميعية، وببلاغته المعهودة كتب في حائطه على منصة (فيسبوك) رواية تمجيدية لحصان من خشب، ونمر من ورق، متنقلا بين وصف كرمه، وكيفية صلاته، وشربه للشاي، وعشقه للفتة!!
ولا أدري هل يعلم الجنرال وسام أن رغد العيش الذي تحدث عنه والبيت الوارف الظلال، لا يمكن أن يستعاض به عن وطن باعوه بثمن بخس، ومناكفة حقودة وحسابات شخصية وحزبية نتنة؟، وهل يظن سام أن الشعب أخرق، والمجتمع اليمني مغفل لتلك الدرجة التي تجعله يصدق ما جاء من هرطقات، وما جاء به الغباري من أوصاف ومشاهد درامية وأسطورية وكأنه يتحدث عن رجل خارق لا يعرفه اليمنيون!!
هو علي محسن، أو أبو الهزائم، والرجل الذي كان أقصى حلم له عندما تخرج من الكلية العسكرية (أن يكون مرافقاً للشيخ عبدالله حسين الأحمر)، وهذا ما اعترف به الرجل ذات مرة، فهل يرتجى الخير من رجل كان أقصى أحلامه مرافقا أو عكفيا قبليا؟! وكيف للناس أن تصدق مرويات النصر، ورباطة الجأش، وأحاديث العزيمة والأمل من رجل يرى في خذلان الجبهات مزيدا من التمكين له ولجماعة الإخوان التي تديره ويديرها، ويتعامل مع كل نصر يأتي من غير مريديه معضلة واجب التآمر ضدها؟!
اللافت في الأمر، أن ردود الفعل كلها تجاهلت شخص علي محسن وما تحدث به، وكان التركيز على من أجراها، في دليل واضح على أن الشعب غسل يده تماما منه، ولا خير يرجوه من شخصه، ولا فائدة سيأتي بها أو نصرا سيحققه، أو وطنية حقيقية سيؤمن بها من قضى عمره بين الدسائس والتربص والخيانة.
نحن هنا في مواجهة معادلة الربح والخسارة، فمن يربح هو من يتعلم من تجاربه ويستفيد منها، وهناك من يتضرر ولكنه يتعلم أكثر من أخطائه ثم أن هناك من لا يستطيع فهم الحياة ويرتكب الحماقات تلو الحماقات ويضيع في المشاكل، وبالتالي فعلى الإنسان خصوصا من كان له منصب قيادي ومسؤول عن شعب بأي حال من الأحوال، أن يستفيد من عمره طال أو قصر في الصدق والإخلاص تجاه الوطن، فهو السبيل لبيان المواقف الحقة والتي تسجل للتاريخ، ويحترمها الناس.
وإجمالاً.. نستطيع القول إن محاولة سام الغباري قد فشلت فشلاً ذريعاً، فتاريخ وواقع ومؤامرات الجنرال متشحة بالسواد ولا يجدي معه أي تبييض أو تلميع.