العمالة اليمنية في مصر أمام خيارات صعبة.. غرامات أو المغادرة
السياسية - منذ ساعتان و 52 دقيقة
في خطوة وُصفت بأنها "الأشد منذ سنوات"، أعلنت الحكومة المصرية عن حزمة إجراءات جديدة لتنظيم أوضاع العمالة الأجنبية على أراضيها، تبدأ بتطبيق غرامات باهظة تصل إلى 200 ألف جنيه مصري (نحو 4,300 دولار) اعتباراً من سبتمبر المقبل، على كل أجنبي يعمل داخل مصر من دون تصريح رسمي أو على تأشيرة لا تخوّله ممارسة العمل.
وزير العمل المصري حسن شحاتة أوضح أن الغرامات ستتراوح بين 20 ألفاً و200 ألف جنيه حسب طبيعة المخالفة، مؤكداً أن من يعملون بتأشيرة "سياحة" سيكونون في صدارة المخالفين. ويأتي القرار بعد أن كانت الغرامة سابقاً لا تتجاوز ألف جنيه فقط، ما جعل كثيرين يتجاهلون استخراج التصاريح ويفضّلون العمل بشكل غير نظامي.
الوزير شدد كذلك على أن العقوبات لن تقتصر على الأفراد، بل ستطال أصحاب الأعمال الذين يشغّلون عمالة أجنبية غير نظامية، في خطوة تهدف إلى إغلاق الثغرات ومنع "تساهل" بعض جهات التوظيف.
الجالية اليمنية في مصر تُعد من بين الأكثر تضرراً، إذ يقدَّر وجود عشرات الآلاف من اليمنيين يعملون في قطاعات التجارة الصغيرة والمطاعم وخدمات التوصيل والأسواق الشعبية. كثير منهم لا يمتلكون تصاريح عمل رسمية، ويعتمدون على تأشيرات سياحية يتم تجديدها بشكل دوري، نظراً لصعوبة استيفاء شروط استخراج تصريح العمل، مثل وجود كفيل مصري أو عقد عمل رسمي.
الغرامة الجديدة – التي تعادل في المتوسط راتب عام كامل للعامل اليمني البسيط – تضع هؤلاء أمام خيارات صعبة بينها مغادرة مصر في وقت لا يملك فيه معظمهم بديلاً آمناً، تحمل أعباء مالية إضافية باهظة، فوق ما يواجهونه من تكاليف معيشة مرتفعة وتدهور قيمة الجنيه المصري، المخاطرة بالعمل سراً مع احتمالية التعرض لعقوبات قاسية أو الترحيل.
تجار يمنيون تحدثوا لـ"نيوزيمن" حذروا من أن القرار قد يؤدي إلى إغلاق بعض المحال الصغيرة التي تعتمد على عمالة يمنية غير نظامية، خصوصاً في مناطق مثل شعبية يكثر فيها أبناء الجالية اليمنية. كما القطاعات مثل المطاعم الشعبية، الكافيهات الصغيرة، وخدمات النقل والتوصيل، مهددة بالتوقف أو رفع أسعارها نتيجة تقلص اليد العاملة الرخيصة.
أمام هذه التطورات، تتزايد الدعوات داخل أوساط الجالية اليمنية لمطالبة السفارة اليمنية في القاهرة بالتحرك السريع والتفاوض مع السلطات المصرية لتقديم استثناءات أو تسهيلات، خصوصاً لليمنيين الذين لا يملكون خيار العودة إلى وطنهم بسبب الحرب المستمرة منذ سنوات.
في المقابل، يتوقع مراقبون أن يلجأ بعض اليمنيين إلى الهجرة لدول بديلة مثل السودان أو حتى دول خليجية، بحثاً عن فرص عمل أقل تعقيداً من الناحية القانونية، رغم أن هذه الوجهات بدورها لا تخلو من تحديات.
من الجانب المصري، يأتي القرار في إطار سياسة أوسع لترتيب سوق العمل وضبط الاقتصاد الموازي، إضافة إلى حماية فرص العمل للمصريين وسط ارتفاع معدلات البطالة. كما يمثل القرار وسيلة لتعزيز إيرادات الدولة من خلال رسوم التصاريح والغرامات.
لكن خلف هذه الأرقام، تكمن أزمة إنسانية صامتة. آلاف الأسر اليمنية تعتمد بشكل كامل على دخل أبنائها العاملين في مصر، سواء للبقاء هناك أو لتحويل أموال إلى ذويهم داخل اليمن. وإذا لم يتم إيجاد حلول عملية، فإن تشديد العقوبات قد يدفع المئات من العائلات إلى الفقر أو التشرّد.
ويرى مراقبون أن أمام السفارة اليمنية نافذة زمنية قصيرة للتحرك قبل دخول القرار حيز التنفيذ، وإلا فإن الأبواب قد تُغلق نهائياً أمام آلاف اليمنيين الذين وجدوا في مصر ملاذاً آمناً من ويلات الحرب، ليواجهوا اليوم معركة جديدة أكثر قسوة، عنوانها: "الغرامات أو الرحيل".