أزمة سيولة خانقة في مناطق الشرعية.. صراع السياسات النقدية يضاعف معاناة المواطنين
السياسية - Tuesday 09 September 2025 الساعة 03:53 pm
يحمل أحمد الشماسي، أحد أبناء مدينة المكلا، ورقة نقدية بقيمة 500 ريال سعودي، ويجوب بها بين شركات ومحال الصرافة في المدينة، بحثًا عن سيولة من العملة المحلية تُمكّنه من شراء احتياجات أسرته اليومية.
كان الشماسي يحتفظ بهذا المبلغ لوقت "الزنقة"، لكن تأخر صرف المرتبات لشهرين متتاليين أجبره على محاولة تصريفه، غير أن أبواب شركات الصرافة أُغلقت في وجهه. وفي حين يحدد البنك المركزي سعر بيع الريال السعودي عند 428 ريالاً يمنيًا والشراء عند 425 ريالًا، وجد الشماسي نفسه مضطرًا لبيعه بما لا يتجاوز 350 ريالًا عند بعض التجار الذين استغلوا غياب العرض والطلب الرسمي في السوق.
الأزمة التي تعصف بالمكلا وباقي المحافظات المحررة ليست مجرد خلاف بين مواطن وصرافة، بل هي انعكاس مباشر لصراع السياسات النقدية بين البنك المركزي اليمني وشركات الصرافة. فبينما يشترط البنك المركزي الالتزام بسعر صرف محدد (425 ريالًا للسعودي)، يمتنع الصرافون عن الشراء بحجة أن السعر غير مجدٍ اقتصاديًا لهم، مكتفين بتقديم عمليات بيع وتحويل محدودة بسقف ألفي دولار ولأغراض علاجية أو دراسية.
هذا التعنت خلق سوقًا موازية سمحت للتجار وأصحاب المحال باقتناص العملات من المواطنين بأسعار زهيدة، في ظل غياب رقابة فعالة أو حلول عاجلة.
ويكشف الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري أن الأزمة أعمق من مجرد تسعير للعملات، فهي تعكس خلافًا مستحكمًا بين محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي ورئيس الحكومة سالم بن بريك حول آلية صرف المرتبات المتعثرة منذ أربعة أشهر.
وأضاف في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك": أن البنك المركزي اليمني في عدن، لم يمنع الصرافيين والبنوك من المصارفة أو شراء العملات الأجنبية، وإنما اشترط عليهم سعر صرف محدد 425 ريال للسعودي، وأوقف بيع وتحويل العملات الأجنبية إلا بسقف الألفي دولار وفق الشروط والضوابط المحدودة ولأغراض علاجية ودراسية خارج البلاد.
وأوضح إن قرار امتناع الصرافيين عن شراء أو مصارفة العملات الأجنبية، يعود إلى قرارات تخصهم ومصالحهم وكمحاولة للضغط على البنك المركزي لفتح سقف الشراء وفقا لقرار تعويم الصرف، باعتبار شرائهم للسعودي بسعر الصرف المقيد من البنك المركزي غير مجد لديهم. وتابع: "وللعلم ايضا فان البنك المركزي لا يمتلك صلاحية منع الصرافيين المرخصين من قبله، من اجراء عمليات مصارفة وشراء العملات الأجنبية؛ لأن هذه الأمور من المهام الرسمية الأساسية لشركات ومنشآت الصرافة".
مصادر مصرفية قالت أن الحكومة طرحت ثلاثة خيارات لتغطية العجز في السيولة من العملة المحلية: السحب على المكشوف من حسابات الحكومة، وهو ما رفضه المحافظ بدعوى أن الحساب مكشوف منذ سنوات بمبالغ هائلة، والخيار الثاني مصارفة احتياطات البنوك ومكاسب تحسن سعر الصرف، وهو خيار رفضه البنك باعتباره مساسًا بأموال البنوك التجارية، في الخير الثالث كان صرف المرتبات من الحاويات المطبوعة سابقًا والمحتجزة في موانئ عدن وجدة والمكلا، وهو ما وصفه المحافظ بـ"الكارثة" التي ستقود لانهيار أي استقرار للعملة.
بحسب الصحفي الداعري أن هذه الخيارات الثلاثة تحولت إلى محور خلاف سياسي واقتصادي ينعكس سلبًا على الموظفين الذين يجدون أنفسهم بلا رواتب، فيما يتمترس كل طرف خلف مبررات قانونية ومؤسسية، متجاهلين معاناة الناس.
البنك المركزي يبرر موقفه بأن الاستقرار النسبي للعملة في الأشهر الأخيرة تحقق بفضل سياسات صارمة، منها إغلاق أكثر من 70 شركة صرافة مخالفة بدعم دولي، ويخشى أن يؤدي أي إنفاق تضخمي إلى انهيار هذا التوازن. في المقابل، ترى الحكومة أن تعطيل صرف المرتبات يفاقم الاحتقان الاجتماعي ويقوض أي إصلاح اقتصادي.
وفي محاولة لتوفير سيولة نقدية بعيدًا عن الخيارات التضخمية، أعلن البنك المركزي اليمني في عدن، اليوم الاثنين، فتح مزاد لبيع أدوات الدين العام المحلي طويلة الأجل، عبر إصدار سندات خزينة لأجل ثلاث سنوات بقيمة أولية 10 مليارات ريال يمني قابلة للزيادة.
وأوضح البنك أن المزاد سيُجرى في 10 سبتمبر 2025، وأن الحد الأدنى للعطاء يبلغ 50 مليون ريال، فيما حُدد العائد السنوي عند 20% تُدفع فائدته كل ستة أشهر. واعتبر مراقبون أن هذه الخطوة تمثل محاولة لسحب السيولة من السوق بطريقة منظمة، وتوفير موارد لتمويل الالتزامات الحكومية بعيدًا عن الطباعة النقدية أو السحب على المكشوف.
ويرى خبراء أن جوهر الأزمة لم يعد اقتصاديًا بحتًا، بل سياسيًا في المقام الأول، إذ يظل الحل مرهونًا بتدخل مجلس القيادة الرئاسي لفض الاشتباك بين الحكومة والبنك المركزي، وضمان تدفق الموارد العامة إلى الخزينة الرسمية. وفي غياب هذا التدخل، ستظل معاناة مواطنين مثل أحمد الشماسي مرآة يومية لانهيار السياسات الاقتصادية وتغوّل مصالح السوق على حساب حياة الناس.
يحمل أحمد الشماسي، أحد أبناء مدينة المكلا، ورقة نقدية بقيمة 500 ريال سعودي، ويجوب بها بين شركات ومحال الصرافة في المدينة، بحثًا عن سيولة من العملة المحلية تُمكّنه من شراء احتياجات أسرته اليومية.
كان الشماسي يحتفظ بهذا المبلغ لوقت "الزنقة"، لكن تأخر صرف المرتبات لشهرين متتاليين أجبره على محاولة تصريفه، غير أن أبواب شركات الصرافة أُغلقت في وجهه. وفي حين يحدد البنك المركزي سعر بيع الريال السعودي عند 428 ريالاً يمنيًا والشراء عند 425 ريالًا، وجد الشماسي نفسه مضطرًا لبيعه بما لا يتجاوز 350 ريالًا عند بعض التجار الذين استغلوا غياب العرض والطلب الرسمي في السوق.
الأزمة التي تعصف بالمكلا وباقي المحافظات المحررة ليست مجرد خلاف بين مواطن وصرافة، بل هي انعكاس مباشر لصراع السياسات النقدية بين البنك المركزي اليمني وشركات الصرافة. فبينما يشترط البنك المركزي الالتزام بسعر صرف محدد (425 ريالًا للسعودي)، يمتنع الصرافون عن الشراء بحجة أن السعر غير مجدٍ اقتصاديًا لهم، مكتفين بتقديم عمليات بيع وتحويل محدودة بسقف ألفي دولار ولأغراض علاجية أو دراسية.
هذا التعنت خلق سوقًا موازية سمحت للتجار وأصحاب المحال باقتناص العملات من المواطنين بأسعار زهيدة، في ظل غياب رقابة فعالة أو حلول عاجلة.
ويكشف الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري أن الأزمة أعمق من مجرد تسعير للعملات، فهي تعكس خلافًا مستحكمًا بين محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي ورئيس الحكومة سالم بن بريك حول آلية صرف المرتبات المتعثرة منذ أربعة أشهر.
وأضاف في منشور على صفحته بموقع "فيسبوك": أن البنك المركزي اليمني في عدن، لم يمنع الصرافيين والبنوك من المصارفة أو شراء العملات الأجنبية، وإنما اشترط عليهم سعر صرف محدد 425 ريال للسعودي، وأوقف بيع وتحويل العملات الأجنبية إلا بسقف الألفي دولار وفق الشروط والضوابط المحدودة ولأغراض علاجية ودراسية خارج البلاد.
وأوضح إن قرار امتناع الصرافيين عن شراء أو مصارفة العملات الأجنبية، يعود إلى قرارات تخصهم ومصالحهم وكمحاولة للضغط على البنك المركزي لفتح سقف الشراء وفقا لقرار تعويم الصرف، باعتبار شرائهم للسعودي بسعر الصرف المقيد من البنك المركزي غير مجد لديهم. وتابع: "وللعلم ايضا فان البنك المركزي لا يمتلك صلاحية منع الصرافيين المرخصين من قبله، من اجراء عمليات مصارفة وشراء العملات الأجنبية؛ لأن هذه الأمور من المهام الرسمية الأساسية لشركات ومنشآت الصرافة".
مصادر مصرفية قالت أن الحكومة طرحت ثلاثة خيارات لتغطية العجز في السيولة من العملة المحلية: السحب على المكشوف من حسابات الحكومة، وهو ما رفضه المحافظ بدعوى أن الحساب مكشوف منذ سنوات بمبالغ هائلة، والخيار الثاني مصارفة احتياطات البنوك ومكاسب تحسن سعر الصرف، وهو خيار رفضه البنك باعتباره مساسًا بأموال البنوك التجارية، في الخير الثالث كان صرف المرتبات من الحاويات المطبوعة سابقًا والمحتجزة في موانئ عدن وجدة والمكلا، وهو ما وصفه المحافظ بـ"الكارثة" التي ستقود لانهيار أي استقرار للعملة.
بحسب الصحفي الداعري أن هذه الخيارات الثلاثة تحولت إلى محور خلاف سياسي واقتصادي ينعكس سلبًا على الموظفين الذين يجدون أنفسهم بلا رواتب، فيما يتمترس كل طرف خلف مبررات قانونية ومؤسسية، متجاهلين معاناة الناس.
البنك المركزي يبرر موقفه بأن الاستقرار النسبي للعملة في الأشهر الأخيرة تحقق بفضل سياسات صارمة، منها إغلاق أكثر من 70 شركة صرافة مخالفة بدعم دولي، ويخشى أن يؤدي أي إنفاق تضخمي إلى انهيار هذا التوازن. في المقابل، ترى الحكومة أن تعطيل صرف المرتبات يفاقم الاحتقان الاجتماعي ويقوض أي إصلاح اقتصادي.
وفي محاولة لتوفير سيولة نقدية بعيدًا عن الخيارات التضخمية، أعلن البنك المركزي اليمني في عدن، اليوم الاثنين، فتح مزاد لبيع أدوات الدين العام المحلي طويلة الأجل، عبر إصدار سندات خزينة لأجل ثلاث سنوات بقيمة أولية 10 مليارات ريال يمني قابلة للزيادة.
وأوضح البنك أن المزاد سيُجرى في 10 سبتمبر 2025، وأن الحد الأدنى للعطاء يبلغ 50 مليون ريال، فيما حُدد العائد السنوي عند 20% تُدفع فائدته كل ستة أشهر. واعتبر مراقبون أن هذه الخطوة تمثل محاولة لسحب السيولة من السوق بطريقة منظمة، وتوفير موارد لتمويل الالتزامات الحكومية بعيدًا عن الطباعة النقدية أو السحب على المكشوف.
ويرى خبراء أن جوهر الأزمة لم يعد اقتصاديًا بحتًا، بل سياسيًا في المقام الأول، إذ يظل الحل مرهونًا بتدخل مجلس القيادة الرئاسي لفض الاشتباك بين الحكومة والبنك المركزي، وضمان تدفق الموارد العامة إلى الخزينة الرسمية. وفي غياب هذا التدخل، ستظل معاناة مواطنين مثل أحمد الشماسي مرآة يومية لانهيار السياسات الاقتصادية وتغوّل مصالح السوق على حساب حياة الناس.