مباحثات رباعية في القاهرة لبدء تنفيذ خطة ترامب لإنهاء حرب غزة
العالم - منذ ساعتان و 21 دقيقة
أشارت تطورات الدبلوماسية الإقليمية خلال الساعات الأخيرة إلى ما يمكن وصفه بـ"اختراقٍ دبلوماسي" قد يمهّد لوقفٍ لإطلاق النار وإنهاء الحرب الممتدة في قطاع غزة منذ قرابة العامين. فقد أعلن كل من غزة وتل أبيب قبولا مشروطًا بخطة سلام من 20 بندًا طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهدف إلى تبادل أسرى شامل ووقفٍ عسكري مرحلي، وهو ما دفع أطرافًا دولية ومحلية إلى التهيؤ لبدء تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة.
ومع ذلك، تُبقي الفجوات الجوهرية —أبرزها مسألة نزع سلاح حماس وشكل الإدارة المستقبلية لقطاع غزة وشروط الانسحاب الإسرائيلي— الأمور في مناخٍ من عدم اليقين الذي قد يحول أي تقدم شكلي إلى هدنة هشة سرعان ما تنهار إذا ما فشلت مفاوضات التفاصيل.
تَعرض الخطة —وفق النصوص والتصريحات الرسمية المتداولة— حزمة من البنود تشمل وقفًا فوريًا لإطلاق النار، تبادلًا كاملاً للأسرى (إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح 250 محكومًا بالمؤبد و1700 معتقلًا آخرين من غزة)، انسحابًا إسرائيليًا تدريجيًا من التجمعات السكنية في القطاع، ونزع سلاح حركة حماس وتسليم إدارة الخدمات العامة إلى هيئة دولية أو فلسطينية خاضعة لإشراف دولي في مرحلة انتقالية.
كما تقترح الخطة منحًا لعناصر حماس الراغبين في مغادرة غزة ممرات آمنة إلى دولٍ مستقبلية، ومنح عفوٍ عامٍ لأولئك الذين يلتزمون بالتعايش السلمي والتخلي عن السلاح. لكن جوهر الخلاف بقي في بند نزع السلاح ومرجعية الإدارة اللاحقة لقطاع غزة — وهما مطلبان تُصر إسرائيل عليهما بينما تُظهر حماس ترددًا واضحًا في القبول بهما بشكلٍ قاطع.
وأعلنت حماس في ردّها الأخير موافقتها المشروطة على بنود الخطة، وأكدت استعدادها لإطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين لديها، مع التأكيد على الحاجة إلى "تهيئة ظروف ميدانية" تتيح إجراء عملية التبادل بأمان، وهو ما يعني أنّ قبول الحركة لم يخلُ من شروطٍ تتطلب مزيدًا من الوساطة.
من جهتها، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إن إسرائيل "تستعد للتنفيذ الفوري" للخطوات الأولى من الخطة، فيما شدد الجيش على ضرورة "التحرك السريع لتحييد أي تهديد محتمل"، في موقف يوائم إعلان البيت الأبيض عن التزامه بالمضي قُدُمًا. ومع أن هذه الخطوات تُقرأ كعلامات تقدّم، فإن الطرفين امتنعا عن حل القضايا الجوهرية علناً، ما يبقي الباب مفتوحًا أمام مفاوضاتٍ دقيقة وصعبة.
وتستضيف القاهرة مفاوضات رباعية يشارك فيها مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل بهدف وضع "أسس واضحة" للبدء في تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب، بحسب مصادر دبلوماسية. تتركز المشاورات على جدول زمني للتبادل، قوائم الأسرى والمحتجزين، ونطاق الانسحاب الإسرائيلي المطلوب لتأمين بيئة آمنة لعمليات الإفراج.
من المتوقع أن يتولى الوسطاء، خصوصًا مصر وقطر، تنسيق الاتصالات غير المباشرة بين وفود إسرائيل وحماس، بينما يحضر مندوبون أمريكيون رفيعو المستوى لتقريب المواقف التقنية والفنية. وتحظى هذه الجولة بمتابعةٍ دولية دقيقة لأن نجاحها يعني توقفًا فوريًا للقتال، فيما فشلها قد يفضي إلى موجةٍ تصعيدية جديدة.
وبحسب التصريحات والوثائق المتداولة، يتضمن الاتفاق المزمع آلية زمنية صارمة: يُفترض أن تُفرَج جميع الرهائن خلال 72 ساعة من توقيف العمليات العسكرية وتهيئة الظروف الميدانية للانسحاب. كما تنص التفاهمات على "مقايضة" تبادلية دقيقة (15 رفاة فلسطينيًا مقابل كل جثة إسرائيلي إذا وُجدت)، وقوائم محددةً للأسرى الذين ستُفرج عنهم إسرائيل فورًا عند تحقق الشرط. ومع التركيز على سرعة التنفيذ، يبقى السؤال العملي حول ضمانات التزام الأطراف بالوقف الكامل للقصف والحركة العسكرية أثناء مراحل التبادل، خصوصًا أن تقارير محلية أفادت باستمرار الانفجارات في ساعات الفجر الأولى بعد الإعلان.
من الناحية الإنسانية، فإن إطلاق سراح الرهائن —لا سيما الأحياء منهم— سيكون إنجازًا مهمًا ويخفف عن عائلاتٍ انتظرت طويلاً. لكن من الناحية السياسية والأمنية، فإن قبول بنودٍ جوهرية مثل نزع سلاح حماس أو إنهاء حكمها في غزة يحتاج إلى آليات تنفيذ واضحة وصياغات قانونية والتزامات دولية قابلة للقياس. غياب تفاصيلٍ حول آليات المراقبة الدولية، كيفية ضمان عدم عودة الاستفزازات المسلحة، والإطار الزمني لانسحاب الجيش الإسرائيلي كلها عوامل قد تحول "اتفاقًا مرحليًا" إلى هدنة قصيرة العمر إذا ما ظهرت ثغرات كبرى. كذلك، فإن تبعات منح عفوٍ أو ممرات آمنة لعناصر حماس تمثل محاور حساسة ستواجه معارضة إسرائيلية داخلية وربما دولية.
ورحّب الرئيس الأمريكي ترامب بردّ حماس ووصف التطور بأنه "دليل على استعدادهما لتحقيق سلام دائم"، ودعا في آن واحد إسرائيل إلى وقف القصف فورًا لتمكين إخراج الرهائن بأمان، محذّرًا من أنه لن يتسامح مع أي تأخير من جانب الحركة. لكن البيت الأبيض أيضاً اعترف بأن "هناك تفاصيل فنية لا بد من إتمامها"، وأن حماس لم تقبل الخطة بالكامل وفق مسؤولين أمريكيين. تصريحات ترامب ــ المتفائلة ــ أعطت زخماً سياسياً للعملية، لكن واقع الشروط المفتوحة يضع الوسطاء أمام مهمة صعبة في الأيام المقبلة.
أكبر نقطتي خلُق هما ما إذا كانت حماس ستوافق عمليًا على نزع سلاحها وتسليم قدراتها العسكرية، ومن الذي سيدير غزة بعد ذلك —هيئة فلسطينية مستقلة تحت إشراف دولي أم إدارة دولية مباشرة؟ إعلان حماس موافقتها على تبادل الأسرى لم يأتِ مع قبولٍ واضحٍ لنزع السلاح، كما أن إسرائيل لم توضح ما إن كانت تقبل بأن تظل هناك أي عناصر من حماس في القطاع ضمن قيودٍ محددة. هذه المسائل ستحدد ما إذا كان الاتفاق يعيد إنتاج بنية أمنية جديدة في غزة أو يُؤجل حلّها إلى مفاوضات طويلة قد تعيد إشعال القتال.
والمعطيات الحالية تُشير إلى إمكانية تحقيق وقفٍ قتالي سريع إذا نجحت مفاوضات القاهرة في تذليل العقبات التقنية والسياسية وتوفير ضمانات ملموسة لالتزام الأطراف. لكن نجاح هذه الجولة غير مضمون؛ فغياب توافقٍ واضح على الأمور الجوهرية —نزع السلاح، شكل الإدارة، آليات الرقابة الدولية— يجعل من أي اتفاقٍ مبدئي محطةً انتقالية قابلة للانتكاس.
في الساعات والأيام القادمة ستكون العيون على القاهرة وعلى قوائم الأسرى والجداول الزمنية المتفق عليها؛ فإما أن يُترجم هذا الاختراق الدبلوماسي إلى نهايةٍ فعلية للحرب وإعادة بناء إنساني وسياسي في غزة، أو أن يتحوّل إلى وقفةٍ مؤقتة يتمّ كسرها بتفجيرٍ عسكري جديد.