صوت الوعي يكسر ضجيج التحريض.. الحوثيون يصرخون بعد سقوط أدواتهم الرقمية

السياسية - منذ ساعة و 58 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

في تطور لافت يعكس حجم الارتباك داخل المنظومة الإعلامية لميليشيا الحوثي، تصاعدت خلال الأيام الماضية موجة صراخ وغضب واسع بين قيادات ونشطاء الجماعة، عقب حذف عشرات حساباتهم من منصات التواصل الاجتماعي، ضمن حملة رقمية وصفت بأنها "الأكبر" لاستهداف خطاب التحريض والتطرف الذي تبثه الجماعة منذ سنوات.

وتحوّلت هذه الإجراءات إلى ما يشبه "انفجارًا لفظيًا" داخل الصف الحوثي، بعد خروج قيادات إعلامية بارزة بتسجيلات وتصريحات متشنجة، حملت طابع التهديد، وتضمّنت اتهامات واسعة لمنصات التواصل العالمية بأنها تخوض "حربًا" ضد الجماعة.

وتأتي هذه التطورات في سياق حملة يقودها نشطاء يمنيون تحت مظلة مبادرة "واعي"، استهدفت حسابات وصفحات حوثية متورطة– وفق القائمين عليها– بترويج خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي وتبرير العنف المسلح. لكن ردّ الفعل الحوثي كان أشدّ حدّة من المتوقع، ما كشف مدى اعتماد الجماعة على الفضاء الرقمي كرافعة تعبئة أساسية تعوّض بها خسائرها السياسية والعسكرية.

 هجوم هستيري على "فيسبوك"

نشطاء وقيادات الجماعة نشروا تسجيلات مصوّرة، عبروا من خلالها عن استياء شديد من الإجراءات التي يرونها "مؤامرة رقمية" تهدف إلى تصفية وجودهم. كما هدد بعضهم بحجب منصات التواصل الاجتماعي داخل اليمن إذا استمرت الحملة ضدهم، في تحذير يعكس التوتر الشديد بين الأجهزة الأمنية والإعلامية للجماعة وبين المجتمع الرقمي اليمني.

كان أبرز المتأثرين مدير وكالة سبأ التابعة للحوثيين نصر الدين عامر، الذي حُذف حسابه من فيسبوك، ليكتب على منصة "إكس" مقالاً بعنوان "الخلاصة في قضية إغلاق بعض الحسابات على فيسبوك". عامر وصف الإغلاق بأنه: جزء من مخطط تصعيد في الجولة القادمة من الصراع مع العدو، وقاعدة لحرب إعلامية ونفسية جديدة على حد تعبيره. الإعلامي الحوثي في قناة المسيرة حميد رزق هو الآخر صبّ غضبه على ما وصفه بـ"التوجهات الأمريكية الصهيونية لإسكات أصواتنا"، زاعماً أن الحذف "استهداف للصورة المشرفة لصنعاء في وقوفها مع غزة".

أما أحمد مطهر الشامي، الوكيل المعين من الحوثيين في وزارة الإعلام، فقد اتهم إدارة فيسبوك بالانحياز لـ"الإسرائيلي"، مهاجماً الناشطين اليمنيين الذين شاركوا في حملة الإبلاغ". فيما الشيخ القبلي المؤيد للحوثيين أمين عاطف اعتبر الحذف "استهدافًا رقميًا" يطال حرية التعبير في اليمن، معلنًا تأسيس ما أسماها "رابطة الإعلام الشعبي اليمني".  الشاعر الموالي للحوثيين محمد الجرموزي ذهب أبعد من الجميع، مدعياً أن الأمر يتجاوز حذف حسابات إلى "اختراقات واسعة وسحب بيانات"، معتبرًا أن ذلك يجب أن يدفع الجماعة إلى "قرارات عاجلة" قبل أن تتسع التداعيات.

استمرار مكافحة التضليل 

وتأتي الحملة الرقمية التي تقودها منصة "واعي" في سياق تصاعد المواجهة الإعلامية على منصات التواصل الاجتماعي، إذ تهدف إلى ملاحقة وإزالة المحتوى الذي يثير الكراهية والذي تروّج له جماعة الحوثي وأنصارها. كما تقول المنصة. وحصدت الحملة خلال أيامها الأولى تأييدًا واسعًا بين أوساط الشعب ومستخدمي مستخدمي مواقع التواصل في اليمن، مقابل موجة استياء وغضب بين ناشطين موالين للجماعة.

وخلال الأيام الماضية، نجحت "واعي" في إغلاق عدد من أبرز الحسابات المرتبطة بالجماعة، ووفق آخر الاحصائيات الصادر عن المنصة بلغ عدد المنصات التي تم حذفها حتى اليوم 144 منصة تابعة للحوثيين يتابعها أكثر من 5 مليون متابع.

يرى مراقبون أن حذف هذه الحسابات يمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الحوثيين على الصمود إعلاميًا دون منصات دعمهم التقليدية. الجماعة، بحسب تقارير أمنية، اعتمدت في السنوات الماضية بشدة على الفضاء الرقمي لنشر خطاب التطرف والتجنيد وتصوير خصومها على أنهم أعداء. لكن مع تزايد حملات التبليغ والمراقبة الرقمية من جهات يمنية ودولية، يبدو أن الحوثيين على مشارف مرحلة جديدة من التضييق الإعلامي قد تؤثر على استراتيجيتهم الدعائية.

قال المهندس فهمي الباحث، المتخصص في الأمن الرقمي، إن ما تقوم به منصة "واعي" يشكّل خطوة بالغة الأهمية لحماية المجتمع اليمني من خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي الذي مارسته ميليشيا الحوثي لسنوات طويلة. وأوضح أن الحسابات المحذوفة كانت أدوات لنشر التحريض وتزييف الوعي وبث الانقسام بين اليمنيين، وأن الاصطفاف الشعبي الواسع خلف الحملة يعكس نضجاً جديداً في الوعي الرقمي، ويدل على أن حماية الفضاء العام مسؤولية جماعية.

وأكد الباحث دعمه الكامل لكل الجهود التي تسعى لخلق بيئة رقمية صحية تكون مساحة للحوار البناء، وتنبذ العنف والإرهاب والكراهية، مشددًا على أن مواجهة التضليل خطوة ضرورية لتحصين المجتمع من الدعاية المتطرفة.

جريمة مركبة وعرقية طائفية

ويرى الناشط الحقوقي همدان العليي أنّ مشاهد التهديد الحوثية بحجب منصات التواصل الاجتماعي عن ملايين اليمنيين، عقب حذف بعض حسابات قيادات الميليشيا، تكشف حقيقة تعامل الجماعة مع الشعب اليمني باعتباره "رهائن" تستخدمهم للابتزاز السياسي.

وأشار العليي إلى أنّ ما ورد في كتابه "الجريمة المُركّبة.. أصول التجويع العنصري في اليمن" يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ الحوثيين يوظفون معاناة اليمنيين كورقة ضغط على الحكومة ودول الإقليم والعالم، وهو ما تؤكده الأحداث الأخيرة.

وأضاف أن الجماعة لا ترى اليمنيين كمواطنين، بل كوسيلة لتحقيق أهدافها "العرقية الطائفية"، وأن تهديدها بحرمان ملايين اليمنيين من حقهم في التواصل والمعرفة والعمل، فقط لأن منصات عالمية أغلقت حسابات تحريضية حوثية، يعكس منطق العصابات التي تحتجز الأبرياء لتحقيق مكاسب غير مشروعة.

وختم العليي بأن "الرذيلة الحوثية" تتجسد في استخدام اليمنيين دروعاً بشرية ثم الادعاء بالدفاع عنهم، في تناقض فجّ يكشف طبيعة الجماعة.

فيما اعتبرت إيمان حُميد أن حملة منصة "واعي" لإغلاق الحسابات الحوثية على مواقع التواصل تمثل انتصاراً معنوياً كبيراً لليمنيين الذين أنهكتهم سنوات التضليل وتشويه الحقيقة. وأوضحت أن هذه الخطوة ليست مجرد عمل تقني، بل "انتصار للكرامة والوعي اليمني"، وأنها تبعث شعوراً جمعياً بالانتصار طال انتظاره، مؤكداً أن ما قامت به المنصة كشف أن الوعي الشعبي أقوى من كل الأصوات المأجورة التي روجت للميليشيا.

وأضاف حُميد في تعليق مفعم بالمشاعر أن اليمنيين يترقبون اليوم الذي تسقط فيه "المشروع السلالي" ويعود السلام إلى صنعاء، قائلاً إن فرحة التحرر ستكون مختلفة، فرحة تُطهِّر الروح قبل الأرض. وختم بالدعاء أن يأتي اليوم الذي يحتفل فيه اليمنيون على أرض الواقع بنهاية الكابوس الحوثي وعودة اليمن إلى مكانته الطبيعية كبلد للحياة والجمال والفن.