تحركات الانتقالي الجنوبي.. خطوة لانتشال الشرعية من قبضة الإخوان
السياسية - منذ ساعتان و 5 دقائق
عدن، نيوزيمن، خاص:
في خضم الصراع الممتد في اليمن منذ أكثر من عقد، يشهد المشهد الراهن تحوُّلًا لافتًا في أولويات القوى الميدانية والسياسية، مع بروز دور المجلس الانتقالي الجنوبي في محافظتي حضرموت والمهرة، في وقت تتراجع فيه فاعلية إخوان المسلمين في اليمن عبر جناح حزب التجمع اليمني للإصلاح، الذي توغل داخل الحكومة الشرعية وساهم في عرقلة عملية تحرير الوطن من سيطرة ميليشيا الحوثي الإيرانية.
منذ بداية الحرب، كان يُفترض أن تكون أولوية الشرعية الرئيسة تحرير صنعاء والمناطق الشمالية من قبضة الحوثيين، وهو ما فشل في تحقيقه رغم مرور سنوات طويلة على سيطرة الأخير على مفاصل الدولة. وتبرز الكثير من المنعطفات خلال سنوات الحرب والتي أكدت أن جناح الإخوان في الشرعية كان من القوى التي عطّلت جهود التحرير الوطني الحقيقي ووجهت البوصلة بعيدًا عن المواجهة المباشرة مع الحوثيين نحو صراعات داخلية أو مصالح فئوية.
>> لقاء الزُبيدي والبركاني.. إنهاء ضجيج "سيئون" بنداء معركة "صنعاء"
ويُتهم حزب الإصلاح، وفق محللين وشخصيات يمنية وعسكرية، بأنه ساهم في تركيز الجهود والموارد بعيدًا عن تحرير الشمال، مما منح الحوثي فرصة لتعزيز سيطرته والبقاء لأكثر من عشر سنوات. هذه الانتقادات لا تُعنى فقط بالجانب السياسي، بل تمتد إلى ما يُنظر إليه كـ إضعاف إرادة الشرعية في توحيد الصف الوطني ضد الانقلاب.
وفي مواجهة هذا الفراغ الأمني الذي خلّفته قوات ومجموعات مرتبطة بآليات غير واضحة في بعض المناطق، بادر المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تنفيذ عمليات عسكرية في حضرموت والمهرة، مناطق كانت تواجه نقصًا في الاستقرار وقد شهدت نفوذًا مسلحًا متنوعًا لقوات حزبية وتنظيمات متعددة منذ سنوات الحرب.
>> خارطة طريق وطنية من الجنوب.. تحرير الشمال وتعزيز الشرعية الواقعية
تمكن الانتقالي من فرض سيطرته على تلك المناطق الحيوية دون معارك واسعة، أثار ردود فعل سياسية واسعة داخل الشرعية خاصة جناح الإخوان ووسائل إعلامهم، لكن في قراءة المشهد، يُنظر إلى هذه التحركات على أنها رد عملي على قصور الشرعية في فرض الأمن، وعمل على تأمين المناطق التي كانت عرضة للتشرذم وتأثيرات قوى متعددة عديمة التنسيق، ومن بينها فصائل كانت ضمن دائرة تأثير تيارات إخوانية وسياسية مرتبطة بتوجهات مركزية غير واضحة الهدف من الحرب.
على الصعيد الأمني، سد تحرك الانتقالي فجوة كانت تؤدي إلى تمكّن مجموعات مسلحة غير محسوبة على الإخوان أو ميليشيات الحوثي والتنظيمات الإرهابية، مما كان يمثل تهديدًا للمدنيين ولمصالح البلد على المستوى الإقليمي، خصوصًا في مناطق حدودية مهمة مثل المهرة وحضرموت. كما ان تحركات المجلس الانتقالي في المحافظتين لم تكن فقط مناورة سياسية صرفة، بل حملت بعدًا أمنيًا واستراتيجيًا واضحًا متمثلًا في ضبط مناطق كانت مفتوحة لعبور مجموعات مسلحة وإمداد ميليشيات الحوثي والتنظيمات الإرهابية بالأسلحة والمخدرات وغيرها، وكذا تفكيك نفوذ قوى متناثرة كانت تساهم في تراجع الاستقرار.
كما أن تكريس سيطرة محلية فاعلة بعد سنوات من الضعف البنيوي في مؤسسات الدولة في المناطق الشرقية مثل أحد أهم الأهداف من وراء التحركات العسكرية الأخيرة، ففي حين كانت استراتيجية بعض المكوّنات داخل الشرعية تفتقد إلى الوضوح في مواجهة الحوثي أو توحيد قوى الشمال خلف رؤية مشتركة، جاءت تحركات الانتقالي من هذا المنظور كخطوة نحو "تعزيز أمن فعلي" في مناطق كانت تعاني من هشاشة أمنية وسياسية، ولم يكن هناك قدرة واضحة للحكومة المركزية على إحداث تغيير حقيقي في موازين القوى.
الفراغ الذي خلّفته السياسات والتحالفات المعقدة ضمن الشرعية مهد الطريق لتحرك فاعلين محليين قادرين على فرض إرادتهم، وهو ما يُقيم البعض نتائجه إيجابًا على الاستقرار المحلي، حتى وإن أثار ردود فعل سياسية واسعة داخل الهياكل الرسمية للحكومة. فالانتقالي، في هذا السياق، يُنظر إليه كقوة استطاعت أن تحويل مناطق كان من الممكن أن تبقى مسرحًا للفوضى إلى مناطق أكثر استقرارًا وفاعلية أمنية.
وبينما بقيت بعض القوى السياسية، ومن بينها التمثيلات الإخوانية داخل الحكومة، عاجزة عن توحيد استراتيجية واضحة لتحرير الشمال ضد الحوثيين وتحقيق اختراقات حقيقية في مسار الحرب، الأمر الذي يوسع النقاش حول أولويات الشرعية الوطنية التي يفترض أن تكون هدفها الأول تحرير كل شبر من أرض الوطن، وليس فقط الانشغال بإدارة وتوزيع النفوذ داخل الجغرافيا الجنوبية.
المشهد في حضرموت والمهرة يسلّط الضوء على أهمية الموازنة بين الأمن الداخلي والتحركات العسكرية الاستراتيجية. ففي حين تنتقد الشرعية تحركات المجلس الانتقالي باعتبارها تقويضًا لسلطة الدولة، يرى آخرون أن تحقيق استقرار حقيقي في المناطق التي تعاني هشاشة أمنية يعزز من قدرة البلد على مواجهة التحديات الأكبر، بما في ذلك مواجهة الحوثيين واستعادة سيادة الدولة في صنعاء.
بحسب محللين ومراقبين أن تحركات الانتقالي ليست مجرد توسيع نفوذ جغرافي، بل ردّ على عجز طويل في توجيه الموارد والجهود نحو الأولويات الوطنية الحقيقية، وهو ما يستدعي نقاشًا جادًّا حول استراتيجية الشرعية اليمنية والبوصلة التي يقاس بها نجاحها أو فشلها في قيادة الوطن نحو استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين.
>
