مجلس الشورى والسعي لاستكمال مشروع الحوثنة
السياسية - Saturday 05 May 2018 الساعة 12:02 pm
لم تكد تمر أربعة أيام على تسلمه مهام رئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء خلفا لصالح الصماد الذي قتل بغارة لطيران التحالف في الحديدة، حتى سارع مهدي المشاط إلى إصدار أولى قراراته والتي قضت بتعيين نحو 32 شخصية من المنتمين لجماعة الحوثي أعضاء في مجلس الشورى.
القرار لم يكن مفاجئا بالنظر إلى سيرة حافلة للجماعة الحوثية بالسطو والسيطرة على مؤسسات وسلطات الدولة وتدجينها بعناصر الحركة منذ سيطرتها على صنعاء في 21 سبتمبر 2014م وانقلابها المعروف بما سمي بالإعلان الدستوري في فبراير 2015م، بل قدم دليلا جديدا على نهج الحركة القائم على تجريف ما تبقى من سلطات ومرافق شكلية للدولة والتغلغل فيها بعناصر تابعة للحركة وبنهج عنصري واضح.
ورغم أن عمل مجلس الشورى لايزال شبه مجمد بسبب الخلافات التي ظلت بين الحركة الحوثية والمؤتمر الشعبي العام حول موضوع إعادة عمل المجلس وتعيين شخصيات جديدة فيه، ففي الوقت الذي كان المؤتمر الشعبي وقيادته يطرحان ضرورة أن يتم تعيين شخصيات جديدة في المجلس تضم خبرات وكفاءات مشهودا لها وأن تشمل عملية التعيين مراعاة الخارطة الجغرافية لليمن بكافة محافظاته، إلا أن حركة الحوثي ظلت ترفض هذا المقترح وتصر على أن تكون التعيينات محصورة على أعضاء ينتمون لها فقط وبعيدا عن اية معايير وخاصة معيار التمثيل الجغرافي.
وفي الوقت نفسه، فقد ظلت حركة الحوثيين تشترط أن تترافق عملية تعيين شخصيات منتمية لها في المجلس بعملية اعادة تشكيل هيئة رئاسة الشورى في مسعى للسيطرة عليه بشكل كلي، وهو الأمر الذي قوبل برفض قيادة المؤتمر آنذاك ممثلة بالزعيم علي عبدالله صالح رئيس المؤتمر الشعبي العام وأمينه العام عارف الزوكا اللذين تم اغتيالهما من قبل حركة الحوثي في ديسمبر من العام الفائت.
ومنذ ديسمبر الفائت وعقب انقلابها على تحالف الشراكة مع المؤتمر واغتيال قياداته واعتقال آخرين ومصادرة ممتلكات ومقرات الحزب وجدت الحركة الحوثية الفرصة مواتية لاستكمال مشروعها في حوثنة مؤسسات الدولة بتعيينات انفرادية لم يعد يشارك المؤتمر أو قياداته فيها بأي شكل رغم بقاء الأخير في الشراكة مع الحركة، وهو البقاء الذي حرص الحوثيون على أن يظل ولو تحت تهديد القوة لاستغلاله في توفير غطاء سياسي لهم.
وعلى مدى الأشهر الماضية عمدت الجماعة إلى التفرد بعملية التعيينات في مختلف مرافق الدولة بعيدا عن التوافق مع المؤتمر وقيادته بدءا من تعيينات لوزراء في حكومة الإنقاذ ال5ى تعيينات في القضاء والمرافق ذات الأهمية السياسية والاقتصادية كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وشركة كمران وشركة يمن موبايل وغيرها.
وعلى ذات المنوال، فالمصادر المؤتمرية تؤكد أن قرار التعيين لشخصيات حوثية في مجلس الشورى تم بعيدا عن أي توافق أو مشاورة مع المؤتمر ككل التعيينات والقرارات التي صدرت منذ اغتيال الحركة لرئيس المؤتمر وامينه العام.
ويعد مجلس الشورى، وفقًا للدستور، هو الغرفة الثانية بجانب البرلمان ويملك صلاحيات في المشاركة بمناقشة بعض القوانين قبل عرضها على مجلس النواب خصوصا ما يحال إليه من قبل رئيس الجمهورية إلى جانب مشاركته في انتخاب أعضاء بعض الهيئات المستقلة كهيئة مكافحة الفساد وهيئة الرقابة على المناقصات والمزايدات وهما من أهم الهيئات المستقلة التي تلعب دورا في مواجهة الفساد المالي والإداري للسلطة التنفيذية.
وكان مجلس الشورى يتكون من 111 شخصا يعينهم رئيس الجمهورية قبل أن يتم توسيع عضويته وفقا لتعديل دستوري قدمه رئيس الجمهورية في العام 2014م عبدربه منصور هادي، حيث أقر مجلس النواب في الرابع من يونيو عام 2014م تعديل المادة (126) من الدستور والخاصة بتوسيع عضوية مجلس الشورى ليصبح نصها الجديد : يتكون مجلس الشورى من مائتين وواحد وعشرين عضواً يعينهم رئيس الجمهورية من غير الأعضاء في مجلس النواب أو المجالس المحلية ويحدد القانون الشروط الواجب توافرها في عضو مجلس الشورى، على أن لا يقل سنه عن أربعين عاماً، كما يحدد المزايا والحقوق التي يتمتع بها أعضاء مجلس الشورى ويؤدون اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، ويضع مجلس الشورى لائحة داخلية تنظم أعماله وطريقة انعقاد اجتماعاته وكيفية اتخاذ قراراته وتصدر بقانون.
وكانت حركة الحوثي حلت مجلسي النواب والشورى فيما سمته إعلانها الدستوري عام 2015م وسيطرة لجنتها الثورية على السلطة بالقوة قبل أن يعاد عمل المجلسين بموجب اتفاق الشراكة بين المؤتمر وحركة الحوثي في يوليو 2016م والذي تم بموجبه تشكيل المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ، إلا أن غياب رئيس مجلس الشورى عبدالرحمن محمد علي عثمان وعدم مزاولته للعمل وغياب كثير من أعضاء المجلس قد انعكس سلبا في تجميد نشاطه، الأمر الذي أدى إلى أن تصر قيادة المؤتمر حينها على أن يتولى القيادي المؤتمري وعضو المجلس محمد العيدروس القيام بأعمال رئيس مجلس الشورى من أجل إتاحة الفرصة لممارسة المجلس لنشاطه وهو ما اقتصر على بعض الجلسات العادية واجتماعات بعض اللجان فقط.
ورغم أن بعض المصادر تشير إلى أن عبدالكريم الحوثي لا يزال يرفض حتى الآن قرار تعيينه في عضوية مجلس الشورى ويرى أن ذلك محاولة لإبعاده عن التحكم في إدارة السلطة من وراء الستار كما هو حاليا، إلا أن مراقبين يرون أن تعيينه في عضوية المجلس ربما يهدف إلى السيطرة على المجلس بشكل تام حيث توقع المراقبون أن يتم الضغط بانتخابه رئيسا للمجلس أو نائبا للرئيس وهو ما سيمكنه من التفرد بإدارة نشاط مجلس الشورى بما يخدم أهداف واجندات الحركة.
المصادر ذاتها تشير إلى نية الحركة الحوثية السعي لاختيار هيئة جديدة لمكافحة الفساد من قبل مجلس الشورى في إطار تنفيذ مشروعها لحوثنة مؤسسات الدولة وبما يمكنها من استخدام هذه الهيئة في تصفية حسابات سياسية مع خصومها من جهة أو التغطية على حجم الفساد الذي تمارسه في مؤسسات الدولة خاصة بعد سيطرتها على الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة واستخدامه لذات الغرض.
وقد قوبل قرار التعيينات في مجلس الشورى بانتقادات من صحفيين مقربين من الحركة، حيث كتب الصحفي ورئيس تحرير صحيفة الوسط جمال عامر على صفحته في الفيس بوك انتقادا للقرار، وقال: كنت أتوقع أن يكون من أولى اهتمامات رئيس المجلس السياسي الذي عين خلفا للشهيد الصماد هو الالتقاء بالحكومة واللجنة الاقتصادية لمناقشة أوضاع الناس والتأكيد على متابعتهم لصرف مرتب هذا الشهر قبل حلول شهر رمضان الذي لن يكون مباركا، بل وبالا على الناس في حال لم يصرف هذا الراتب الذي تم الوعد به قبل اغتيال الرئيس الصماد.
وأضاف عامر: إلا أن المفاجأة الصاعقة تمثلت بإصدار الأستاذ مهدي المشاط قرارا قضى بتعيين ما يزيد عن الثلاثين شخصية كأعضاء في مجلس الشورى المعطل أصلا.. وتساءل عامر: هل القرار بتعيين هؤلاء يعد أولوية لا تقبل التأجيل للرئاسة الجديدة، ثم كيف سيكون وقعها على أولئك ممن لم يتسلمون رواتبهم لأشهر وقد أذلتهم الحاجة وطحنهم الفقر ونال منهم الجوع والفاقة.
واختتم بوصف القرار بانه مستفز لشعب كان يبحث عن تطمينات لا للصفعات أكثر.
وبالنظر إلى أسماء الشخصيات التي تم تعيينها في عضوية المجلس والتي لم تراع التمثيل الجغرافي أو الكفاءات والخبرات يلاحظ ان حركة الحوثي عمدت بالاضافة الى تعيين عبدالكريم الحوثي إلى الزج بشخصيات قبلية موالية لها، لها علاقة بمناطق القتال في محاولة من الحركة استخدام هذه القيادات لخدمة اجنداتها في حشد المقاتلين خاصة وأن معظم الشخصيات التي تم تعيينها تنتمي إلى محافظات صعدة وحجة ومارب والجوف وصنعاء بدرجة رئيسة وهي مناطق تشهد اشتعالا للمواجهات العسكرية فيها.
تأخر أداء اليمين الدستورية للاعضاء المعنيين يرجعه البعض إلى موقف عبدالكريم الحوثي الرافض لتعيينه عضوا في المجلس إلا أن آخرين يرون أن عبدالكريم الحوثي يسعى لفرض شروط لقبوله بعضوية المجلس ربما يكون أبرزها أن يتولى رئاسة المجلس أو منصب نائب الرئيس مع احتفاظه بنفوذه في إدارة السلطة الخفية لحركة الحوثي في العاصمة صنعاء.
وحتى الآن لم يصدر أي موقف رسمي من قبل المؤتمر الشعبي العام حول موضوع التعيينات الخاصة بمجلس الشورى، ولا يعرف ما إذا كان سيقبل المؤتمر وكتلته المسيطرة على المجلس بتمرير مشروع الحوثي للسيطرة على المجلس وتسخيره لصالح تنفيذ اجنداتها.
ويشترط لإعادة انتخاب هيئة رئاسة مجلس الشورى توفر نصاب النصف زائد واحد وهو ما تؤكد مصادر في المجلس عدم توفره حاليا حيث يتواجد كثير من أعضاء المجلس خارج البلاد فضلًا عن وفاة عدد آخر من أعضائه خاصة إذا ما طبق موضوع الانتخاب وفقاً للتعديل الدستوري الساري المفعول منذ العام 2014م.
وفيما ستظهر الأيام القادمة ما سيؤول إليه الوضع بعد التعيينات الحوثية في مجلس الشورى، فان المصادر كلها تجمع على أن التعيينات تأتي في إطار سعي الحركة الحوثية للتغلغل في مؤسسات وسلطات الدولة وحوثنتها بعناصر موالية للحركة مستغلة تفردها بالقرار خاصة عقب أحداث ديسمبر التي اغتالت فيها زعيم المؤتمر علي عبدالله صالح وأمينه العام عارف الزوكا وعددا من قيادات التنظيم.