صنعاء يتيمة في عيد الوحدة اليمنية

السياسية - Thursday 24 May 2018 الساعة 03:52 pm
فارس جميل، نيوزيمن، خاص:

يبدو أن آخر مآثر الوحدة اليمنية وملامحها بصنعاء كانت مقتل ابن شبوة عارف الزوكا إلى جوار ابن صنعاء علي عبدالله صالح، أو هكذا بدت الأمور يوم الــ22 من مايو 2018 في الذكرى الــ28 لإعلان وحدة شطري اليمن.

صنعاء اليوم ثوب واحد وشعار واحد وسلطة واحدة بلون صعداوي لم يشمل حتى صعدة كلها، بل جزءا منها آمن بالولاء لأسرة الحوثي أو بمصالحه التي يحصل عليها نتيجة انتمائه إليها، ولم تعد هناك وحدة حتى مع مناطق اليمن الشمالية الأخرى، رغم أن سكان المدينة من كل اليمن إلا أن قرارها بيد جماعة الحوثيين بما تحمله من اختزال طائفي مقيت لأسر معينة، تريد أن تبتلع ما أمكنها من إرث دولة اليمن الكبير، ولا يهمها بعد ذلك أن تموت اليمن برمتها.

شوارع صنعاء متلحفة بلوحات قتلى وضحايا الحوثيين وشعاراتهم في نفس الوقت، فلا مظهر حتى لأعلام الجمهورية التي لا تؤمن بها الجماعة موحدة أو مجزأة، بل صور شباب هذه الجمهورية بعد أن أرسلتهم الجماعة إلى المحرقة، وكان يمكن أن يكونوا وقودا لبناء اليمن بدلا من تحولهم إلى معاول لهدمها.

كتب عبدالله عبدالإله على حائطه الفيسبوكي كيف بكى اليمنيون فرحا يوم رفع علم الجمهورية اليمنية بمدينة عدن، وكان موظفا مرموقا برئاسة الجمهورية يومها، قبل أن يعجز اليوم عن توفير ثمن علاجه الدائم ضد السرطان الذي يهدد حياته لانقطاع راتبه، ويوم 22 مايو الجاري رأيته بالصدفة في أحد شوارع صنعاء وقد قلع لوحات سيارته الكرسيدا موديل 1990 التي تذكره بدورها بتاريخ الوحدة، فالسيارات بدون لوحات أصبحت إحدى معالم صنعاء اليوم.

شركة يمن موبايل التي اعتادت أن ترسل التهاني بالمناسبات الوطنية لمشتركيها لم تصل رسالتها في الذكرى 28 للوحدة، وهذا مؤشر للتوجهات الرسمية بصنعاء.

عبدالملك الحوثي وهو يقتنص أية مناسبة طائفية ليطل على أتباعه بخطاب مطول وإن كان يخلو دائما من أية ملامح وطنية، ويمضي في سبيل تكريس عادات ومناسبات غريبة على اليمنيين جوهرها تقديس جماعته وسلالته المزعومة وتعزيز الثارات بين مكونات المجتمع اليمني، لم يطل بمناسبة الذكرى الـ28 للوحدة ليلقي خطابا ولو تضمن كل أكاذيب العالم، فهو لا يحتمل الحديث عن دولة وطنية جامعة لليمنيين لأنها ستقوض ما بنته جماعته على زيف شعاراتها، ولم يحدث أن ألقى الرجل أية كلمة في ذكرى ثورة سبتمبر 1962 مثلا، حتى من باب التدليس والتضليل الذي ينتهجه هو وجماعته.

لا زلت أتذكر فعالية رفع العلم على قاعة فلسطين بعدن يوم 22 مايو 1990، وأتذكر فرحة الناس وطموحاتهم، كنت طفلا يومها، لكن هذه المشاعر لا تكبر ولا تشيخ ولا تتلاشى بالتقادم.

في ميدان السبعين الذي شهد الاحتفال المهيب بالذكرى العاشرة للوحدة، أكلت شعارات الحوثيين وجه الميدان، حتى اللوحات التذكارية بضحايا التفجير الإرهابي الشهير عشية 22 مايو 2012 تم رفع صور الصماد ورفاقه عليها وكأن عشرات الجنود الذين سقطوا في العملية الإرهابية ليسوا من اليمنيين، ذلك النصب التاريخي للجندي المجهول المقابل لمنصة الاحتفالات المهدمة بقصف التحالف أصبح قبرا للصماد، لكن أيا من أعمدته الستة لم ينل شرف ألوان العلم الجمهوري على قمته.

المظهر الوحيد الذي ذكر الناس بذكرى الوحدة هو إعلان يوم الثلاثاء إجازة رسمية، والأناشيد الوطنية التي بثتها إذاعة صوت اليمن على مدار اليوم، أما الإذاعات الأخرى فكان خطاب عبدالملك الحوثي أو محاضرته اليومية الإجبارية التي تبثها قنواته وإذاعاته هو الحاضر المهيمن، والذي لم يرد ذكر مايو على لسانه.

وجوه الناس في صنعاء بائسة وتائهة، تبحث عن شيء ما في الأفق، شيء ما يملأ بطون الجياع ويرسم الفرحة على شفاه الأطفال، ويعيد الكبرياء على هامات الرجال، والفرحة إلى قلوب النساء.

حتى منشورات الفيسبوك التي احتفى أصحابها بذكرى الوحدة اليمنية كانت مليئة بالحسرة والحزن، فإلى جوار منشورات كثيرة بصورة علي صالح وعلي سالم وهما يرفعان علم الوحدة، كتبت بلقيس اللهبي من مقرها الإجباري في الأردن على حائطها الفيسبوكي:

"كيف أحتفل بيوم وطني، وأنا بلا وطن، يعني مطلقة تحتفل بعيد زواجها مثلا" !!

وظهرت صفحة ممولة بإعلان "تم اليوم بحمد الله تأسيس حزب الديمقراطيون بتاريخ 22 مايو 2018، وفقا لأحكام الدستور....." ولم يكلف أصحابه أنفسهم أي جهد لتذكر قواعد المضاف والمضاف إليه في منهج الصف الرابع ليكتبوا "حزب الديموقراطيين" كعنوان للصفحة بدلا عن "حزب الديموقراطيون".

بالمقابل أظهر استفتاء على صفحة الزميل فتحي بن لزرق "هل يزيد أم يتناقص عدد المطالبين بالانفصال في جنوب اليمن" أن 63% من المشاركين أكدوا بأن عدد المطالبين بالانفصال يتناقص، أمام 37% قالوا بأنه يزيد، والمعضلة الحقيقية أن الدولة التي يجب أن تحمي الانفصالي والوحدوي بنفس الدرجة لم تعد بعد من غيبتها.

مشاعر الرفض لجماعة الحوثي فكرا وممارسة هي الوحدة الحقيقية التي تجمع اليمنيين اليوم، أما الوحدة ذاتها بطريقة إعلانها والممارسات التي قوضتها كفكرة ناضل من أجلها اليمنيون لعقود، فلم تعد كما يبدو قابلة للاستمرار إلا بمعادلة مختلفة، وإن نجح اليمنيون في رسم هذه المعادلة على الأرض فإن كل يمني وحدوي، وإن فشلوا في ذلك، فلكل يمني مشروعه المناطقي الذي خجل حتى الآن عن إعلانه بشكل واضح.

صنعاء وعدن اختصارات لليمن الكبير على مستوى الشارع، واختصارات لواحدية القرار والتوجه ورفض الآخر على مستوى السلطة، وهناك سلطة معترف بها للرئيس هادي تتخاذل عن دورها، وتخذل معها ملايين اليمنيين، حين تتقاسم مع الحوثيين ممارسات الفساد وعدم الاهتمام بهموم الناس، وانتظار نصر مزعوم لا تقوم بأدنى متطلباته على الأرض.

بين الشارع اليمني ونخبته السياسية فجوة كبيرة لا يمكن ردمها بمعطيات الواقع اليوم، وهذه أزمة أنست الناس قضاياهم الوطنية الجامعة، وأرغمتهم على التفرغ لتفاصيل معيشية كارثية، لن يغيرها بقاء الوحدة قائمة كما هي في مخيلاتهم وأحلامهم التاريخية، ولن يغيرها تفكك اليمن أيضا، إلا بعودة الدولة واحتكارها أدوات القوة وإنفاذ القانون، سواء كان قانون دولة قتبان أو مخرجات الحوار الوطني، فما يحدث على الأرض جعل كل سيئات الماضي حسنات في نظر الناس، وكل مخرج من الوضع الراهن مقبولا، حتى لو كان سابقا مشكلة بحد ذاته.