حقد الحوثي على صالح... انتقام للإمامة والتمرُّد (1-2)

السياسية - Thursday 31 May 2018 الساعة 11:38 pm
سمير الصنعاني، نيوزيمن، تقرير خاص:

(مؤسسة الشعب الاجتماعية للتنمية).
هكذا بات اسم مؤسسة الصالح في عهد حكم المليشيات الحوثية عقب أحداث ديسمبر التي انتهت بإقدام المليشيات على اغتيال الزعيم علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية السابق، رئيس المؤتمر الشعبي العام ورفيقه الأمين العام عارف الزوكا.

إقدام المليشيات الحوثي على تغيير اسم مؤسسة الصالح ليس إلا حلقة جديدة في سلسلة مخطط تنفذه المليشيات الحوثية لمحاولة طمس تاريخ رئيس الجمهورية السابق الذي امتد حكمه لثلاثة عقود ونيف منها 22 عاماً كرئيس لليمن الموحَّد وبطريقة ممنهجة ومتعمدة وتكشف عن عقلية حاقدة وانتقامية مشحونة بثقافة مذهبية وسلالية تجاه صالح كمواطن وصالح كرئيس جمهورية ومشروع دولة.

ويخطىء من يعتقد أن ممارسة مليشيات الحوثي بحق تاريخ صالح مجرد رد فعل طبيعي تمارسه المليشيات بوصفها الطرف المنتصر في أحداث ديسمبر، ذلك أن هذه الممارسات التي تتم وفقاً لخطة ممنهجة ترتبط بموقف المليشيا الحوثي الفكرية من الثورة والجمهورية من جهة، ومن جهة أخرى موقفها من الرئيس الذي حارب مشروعها الإمامي ووقف بوجه تمردها لست مرات.

صالح: الجمهوري السنحاني الفلاح

حين اندلعت ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م ضد النظام الإمامي الكهنوتي كان علي عبدالله صالح الشاب أحد الجنود الذين انضموا إلى صفوفها لتبدأ ثقافته كجندي يؤمن بالجمهورية ويدافع عنها بالتشكل.

وكغالبية أبناء الشعب اليمني ينتمي علي عبدالله صالح المواطن إلى شريحة الفلاحين البسطاء الذين لولا الثورة والجمهورية ما كان بوسعهم حتى الحلم بان يكونوا ذات يوم في سدة الحكم، ولذلك فإن وصول صالح إلى سدة الحكم في شمال الوطن العام 78م مثّل نقلة نوعية أكدت حقيقة أن الثورة اليمنية ضد النظام الإمامي في 26 سبتمبر 1962م قد بدأت تؤتي أكلها بوصول فلاح إلى منصب الرئيس وهو ما يفسر احتفاء الشاعر البرودني بذلك وهو يتحدث عن صالح بعد توليه الرئاسة ويقول في كتابه اليمن الجمهوري (جاء علي عبدالله صالح إلى الرئاسة من أنقى الشرائح الشعبية ومن أكثرها إنتاجاً، لأنه من طبقة الفلاحين الذين عجنت تربتهم أنامل الأشعة وقبلات المطر).

وبالإضافة إلى كونه جندياً في صفوف الثورة السبتمبرية وانتمائه إلى طبقة الفلاحين فإن صالح ينتمي جغرافياً إلى منطقة سنحان التي كان لها أيضاً شرف إنجاب أول رئيس للجمهورية عقب الثورة التي أطاحت بحكم الأئمة هو المشير عبدالله السلال.

تلك العوامل الثلاثة تشكل البداية لفهم أبعاد ثقافة الحقد وفكر الانتقام لدى مليشيات الحوثي ضد صالح المواطن والجندي والرئيس وسعيها لطمس تاريخه بشتى الوسائل انطلاقاً من فكرها القائم على رؤية أن الفلاح ليس سوى مجرد شخص خلق ليكون مسخرًا لخدمة السيد الذي يحق له وله وحده فقط الحكم وفقاً لأكذوبة الاصطفاء الإلهي الذي قضت عليه ثورة 26 سبتمبر، ومن عقليتها التي ترى في جيش الجمهورية عدواً لمشروعها، ومن كونه ينتمي لسنحان التي أنجبت أول رئيس للجمهورية وأقوى رئيس لها.

ولعل الممارسات التي تعمدت، ولا تزال، المليشيات الحوثية تنفيذها منذ سيطرتها وانقلابها على السلطة بحق قيادات ورموز ثورة 26 سبتمبر والقيادات الجمهورية والمؤسسات المرتبطة بها تؤكد أن هدف المليشيات لا ينحصر في محاولة طمس تاريخ صالح كرئيس سابق للجمهورية بل بممارسة عملية انتقام ممنهجة ضد كل ما له علاقة بالثورة والجمهورية التي أنهت حكم الأئمة الكهنوتي.

صالح... الرئيس الذي حارب التمرد

تنقل بعض المصادر أن الرئيس الأسبق الشهيد صالح وخلال حديث مع بعض علماء المذهب الزيدي وحين ذكر اسم بدر الدين الحوثي علق صالح بالقول: بدر الدين يشتي إمامة لرأسه، وهو ما كشف عمق فهم صالح للمشروع الذي كان يتم الإعداد له من قبل أسرة بدر الدين الحوثي في محافظة صعدة.

ولذلك فقد سارع الرئيس صالح باتخاذ موقف حاسم ضد أول تمرد تعلنه مليشيات الحوثي على دستور الجمهورية ومؤسسات الدولة برفضها تسليم الزكاة وإقدامها على جباية الزكاة في مناطقها لصالحها، حيث تم إخماد حركة التمرد بقيادة مؤسس المليشيا الحوثية حسين بدر الدين الحوثي في سبتمبر من العام 2004م بعد قتل مؤسس الحركة.

وظل صالح باعتباره رئيساً للجمهورية يستخدم سلطاته الدستورية ويعمل واجبه في مواجهة حركة التمرد الحوثية التي ظلت رغم مقتل مؤسسها تعاود شن تمردها لست مرات متتالية عبر مليشيات مسلحة وفكر ديني قائم على أكذوبة الاصطفاء الإلهي وحق آل البيت في الحكم والترويج للمذهب الاثني عشري، ناهيك عن إظهار ارتباطها وتبعيتها لإيران من خلال شعار الصرخة الذي كان هو شعار الثورة الخمينية الإيرانية.

ومع أن الرئيس صالح ورغم وقوفه القوي والصريح وفضحه لمشروع المليشيات الحوثية الرامي إلى القضاء على النظام الجمهوري والعودة إلى نظام الإمامة، فقد حاول لأكثر من مرة عقد تفاهمات مع الحركة الحوثية واتفاقات لحقن الدماء، إلا أن المليشيات الحوثية ظلت تنقلب على كل تلك الاتفاقات وتواصل تمردها والترويج لمشروعها المذهبي والفكري.

دفاع الرئيس صالح عن الجمهورية ونظامها ضد تمرد المليشيات الحوثية وإفشاله مشروعها المذهبي الإمامي السلالي مثل عاملاً آخر من عوامل تراكم ثقافة الحقد والانتقام ضد صالح كشخص ورئيس جمهورية ونظام دولة.

ولعل ما يؤكد هذا التوجه هو تكرار قيادات للمليشيات الحوثية تهديداتها ضد صالح حتى بعد تحالف المؤتمر الشعبي العام والحركة الحوثية وتشكيل المجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ.

وتنقل مصادر عن القيادي في المليشيا الحوثية عبدالكريم الخيواني الذي يشغل منصب نائب وزير الداخلية وقائد اللجان الشعبية (مليشيات الحوثي) تكراره القول لقيادات مؤتمرية: والله لن ننسى الانتقام للحروب الستة وقتل السيد حسين وسنأخذ بثأرنا من صالح مهما طال الزمن.

القتل ممزوجاً بالحقد

كشفت عملية إصرار وإقدام المليشيات الحوثية على اغتيال الرئيس السابق للجمهورية علي عبدالله صالح داخل منزله في العاصمة صنعاء عن نزعة حقد وانتقام غير مسبوقة بدأت من فبركة مشهد ومكان عملية اغتياله مع رفيقه الأمين العام للمؤتمر عارف الزوكا والزعم بانه تم قتله في منطقة سنحان خلال محاولته الهرب، ورقصة النشوة التي اختلطت بصيحات عناصر المليشيا على جثة الرئيس الأسبق وهم يرددون عبارات الزهو بالثأر لمقتل مؤسس مليشياتهم حسين الحوثي.

وفي سابقة لم تحصل في اليمن ظهر زعيم المليشيات الحوثية عبدالملك الحوثي بخطاب استخدم فيه كل مفردات الدين للتعبير عن فرحته بإنجاز اغتيال الرئيس صالح، قبل أن يعمد حقده الشخصي والفكري ضد الرجل ورمزيته كرئيس جمهورية بدعوة أنصاره للاحتفال باغتيال صالح والسجود شكراً لله على ارتكابهم هذه الجريمة.

وفي مشهد آخر على ترسخ ثقافة الانتقام حرص عبدالملك الحوثي زعيم المليشيات على لبس جنبية أخيه الصريع حسين الحوثي، وهي إشارة معروف لدى القبائل اليمنية بانها دلالة على أنه تم الأخذ بالثار.

وإيغالاً في ممارسة حقدها لم تكتف المليشيات الاحتفاظ بجثمانه ورفض تسليمه أو السماح بدفنه وإقامة تشييع له، بل تعمدت مداهمة منازل أسرة الرئيس ادصالح وأقاربه وترويع النساء والأطفال ونهب الممتلكات الخاصة بهم، بالإضافة إلى اعتقال بعض أبناء وأقارب صالح ورفض الإفراج عنهم حتى الآن دون أي مبرر أو سند سوى الانتقام من الرجل وأسرته.

ولم تسلم منازل الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح ومنازل أبنائه وأقاربه من ممارسات الحقد التي تنتهجها مليشيات الحوثي التي أقدمت على اقتحام تلك المنازل والسطو عليها ونهب محتوياتها خلافاً لكل نصوص الدستور والقانون وحتى للأعراف والتقاليد اليمنية.