جدل «العلمانية» يحتدّ في اليمن المنهَك بالحرب

السياسية - Thursday 23 August 2018 الساعة 10:31 pm
صنعاء، نيوزيمن، تقرير خاص:

أثارت دعوات أطلقها، مؤخراً، ناشطون، لإقامة دولة ديمقراطية علمانية في اليمن، جدلاً ملحوظاً على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين فجرت غضب رجال دين، يربط بعضهم "مصطلح العلمانية بمعادات الدين والإلحاد".

وقد بدأ الجدل بإطلاق القيادية في حزب الإصلاح الإسلامي، توكل كرمان، دعوة إلى تطبيق العلمانية في اليمن، معتبرة أن العلمانية "ليست مرقصاً ومشرباً، بل حرية تدين وتفكير ورأي وتعبير وحقوق ديمقراطية وسياسية"، وأن تطبيقها هو الحل الوحيد للسلام في اليمن.

وأثارت مطالبة كرمان، على حساباتها في مواقع التواصل الاجتماعي، بإرساء دولة "ديمقراطية وعلمانية" – كما قالت- عاصفة من السخرية، في حين اعتبرها البعض بـ"النكتة".

في المقابل ذهب الكاتب السياسي والليبرالي حسين الوادعي، إلى تأييد إثارة موضوع العلمانية، مشدداً أن الحديث عن العلمانية كخيار يستوجب تحديد ما هي الخيارات المتاحة الأخرى والتي يمكن حصرها في خيارين اثنين: دولة دينية أو دولة هجينة.

وقال الوادعي، في حديث لـ"نيوزيمن"، إنه لا يعتقد "أن لا أحد لليوم -باستثناء غلاة الجماعات الدينية- ما زال يتمنى العيش في ظل دولة دينية، وأما بالنسبة للدولة الهجينة (خليط من العلمانية والدينية) فهي غالباً ما تسقط في يد جماعات التدين السياسي وتتحول إلى دولة دينية تستخدم الدين سلماً للوصول للسلطة والتكفير سيفاً للقضاء على الخصوم.

ويرى الوادعي أن النقاش الحالي حول العلمانية في اليمن راقٍ جداً، بل إن الدولة العلمانية صارت مطلباً شعبياً إلى حد ما، لكن الناس يطلقون عليها اسم الدولة المدنية.

في المقابل، ارتفعت أصوات منددة ومنتقدة، حيث اعتبر رجال دين بأنها تهدف إلى إثارة الفتن والفوضى في المجتمع اليمني، وذهب بعضهم إلى تصنيف المطالبين بالعلمانية بـ"أبواق للمنظمات الغربية المشبوهة"، حد قولهم.

واستند هؤلاء إلى تقرير حديث نشرته منظمة "هيومان رايتس ووتش"، عن المسيحين في اليمن، ذهبت فيه إلى تقدير عددهم بنحو 41 ألف شخص من اللاجئين، ما اعتبره البعض إيحاءً من المنظمة بوجود ديانات متعددة في اليمن، ما يستدعي نظام حكم علمانياً.

وقال التقرير، إن الحرب أثرت بشكل حاد عما أسمته "المجتمع المسيحي في اليمن" بحيث دفعت أغلب المسيحيين إلى الفرار خارج البلاد. وقد قوبل التقرير بانتقادات كبيرة، حيث قلل مراقبون من مصداقة الإحصائية الواردة فيه لعدد المسيحيين.

في هذا السياق قال الكاتب السياسي سمير العودي، في تصريح لـ"نيوزيمن"، إن "هناك جهوداً أمريكية ودولية حثيثة لزراعة أقليات في اليمن، وذلك لضمان دستور علماني خلال المرحلة القادمة تشكل صياغة عقد اجتماعي علماني جديد فيها".

بدوره السياسي والكاتب علي العمراني، قال "إن الحرب وما يسفر عنها من معاناة وآلام ستجعل كثيرين يفكرون ويتصرفون خارج المألوف، وهذا أمر طبيعي.. ولأن الحرب في اليمن سببها فقيه ديني أو هكذا يفهم أو يدعي فستكون نصوص دينية وفهوم كثيرة للدين محور التناول والنقاش والأخذ والرد".

وأشار إلى أن الحرب قبل وبعد أن تضع أوزارها ستحدث تغييرات هائلة في التفكير والممارسات سلباً وإيجاباً، موضحاً أن كثيراً من الممارسات باسم الأديان تفضي إلى ظلم الإنسان لأخيه في الدين أو الإنسانية، وقد يستند الجميع إلى نصوص وأدلة دينية.

اتهامات ودفاع

ووصل الجدل حيال العلمانية إلى تبادل الاتهامات بين المؤيدين والمعارضين، حيث قال الناشط منير عبدالحق، رداً على اتهامه من بعض المتشددين باستهداف الإسلام: "الذين يتهمون العلمانيين بهذا الأمر أناس لا يعرفون أصلاً ما هي العلمانية، وينتفعون من الدين لأسباب سياسية".

ويضيف، "أن الأحزاب الإسلامية هي التي تقول بهذا، لأن فصل الدين عن السياسة معناه سن قوانين تمنع الأشخاص من الإحالة على الدين في التأطير السياسي أو في الدعاية الانتخابية، وهذا يرحمهم (الاسلاميون) من الخطاب الوحيد الذي يمتلكون".

واعتبر عبد الحق أن العلمانية تجعل الدين ينحصر في الدائرة الشخصية للأفراد ولا يصير محل نزاع بين الجماعات، إذ إن سبب التناحر بين عدد من التيارات الدينية وتكفير بعضها البعض يأتي من عدم الاتفاق على رؤية واحدة للدين.

ورأى أن "العلمانية تسعى إلى الحفاظ على قدسية الدين وحصره في فضائه الخاص الذي هو البيت أو المسجد وتركه بعيداً عن النزاعات السياسية".

أما عبدالله ناجي موظف (40 عاماً) فيرى أن "الدين في بعده النصي والسلوكي معاً لا يعتبر عائقاً للتقدم، لأن الإسلام، حسب قوله، دعا إلى العلم والمعرفة والاجتهاد فيما يخص تنظيم حياة الناس وتدبير شؤونهم الدنيوية بعيداً عن الدوغمائية أو الجمود العقائدي".

وقال، "يكفي في هذا الصدد استحضار أن بغداد في العهد العباسي كانت العاصمة الفكرية للعالم، لذلك فإن المشكلة الحقيقية تكمن في التأويل المتخلف والمحافظ والظلامي للدين".

من جانبها تعتقد الكاتبة والأديبة الشابة سمية الفقيه "أن هناك جهلاً بمفهوم العلمانية، للأسف، وأن الجماعات الدينية نجحت من خلال سيطرتها لعقود على المؤسسات التعليمية والتربوية ومنابر الوعظ والإرشاد في تكريس مفهوم خاطئ عن العلمانية باعتبارها ضد الدين والتدين، وهذا غير صحيح".

وقالت الفقيه، في تصريح لـ"نيوزيمن"، إن "هذه الجماعات تخشى العلمانية، لأنها تنسف فكرة الدولة الدينية التي يرتكز عليه مشروعها الاستبدادي التسلطي".

وقد أيد هذا الطرح الناشط كمال العديني، حيث يؤكد "أن المتطرفين لا يدافعون عن الإسلام بل عن سلطتهم الدينية الاستبدادية التي يعتقدون أنها فوق كل سلطات الدولة، وحتى فوق سلطة الشعب ممثلة بالبرلمان”.

ولفت العديني "أن الجماعات الدينية المتشددة يعتقدون بأنه يتوجب الرجوع لهم قبل اتخاذ أي قرار للتصديق عليه"، واستشهد بأن "البرلمان لم يستطع سن تشريع بتحديد سن للزواج، لأن هؤلاء يرفضون ذلك ويعتبرونه مخالفاً للشرع".

في المقابل استبعد أديب الأصبحي، يعمل مهندساً، أن "تقدم العلمانية حلاً سحرياً لحياة أفضل، كما يعتقد البعض"، معبراً عن الخشية من الدعوات للعلمانية في مجتمع يمثل الدين مركز حياته، مشدداً على عدم وجود مبررات للدعوة إلى العلمانية، كما يقول.

هيئة علماء اليمن تحذّر

وأمام الأصوات المطالبة بدولة علمانية في اليمن، تعالت أخرى ناقدة ومهاجمة لمطلقي تلك الدعوات، ووصل الأمر حد إصدار ما تسمى "هيئة علماء اليمن" بياناً تحذيرياً، زعمت فيه "أن جهات وشخصيات تنفذ أجندات أجنبية تستهدف دين الشعب اليمني المسلم، تقف خلف تلك الدعوات المطالبة بالعلمانية"، حد وصفها.

ودعت الهيئة "كافة أبناء الشعب اليمني إلى الحذر من مقولات العلمانيين المخادعة والمضللة، لأن ذلك استدراج للمسلمين ليبدلوا دينهم ويسقطوا في أوحال الكفر"، وفق نص البيان.