هادي غائباً.. في مواجهة زمن صالح الثري بالحضور

السياسية - Monday 03 September 2018 الساعة 09:53 pm
عماد طربوش، نيوزيمن، خاص:

صالح يرأس اجتماعاً حضره عبد الكريم الارياني المستشار السياسي، وعبد العزيز عبد الغني رئيس مجلس الشورى، وعلي مجور رئيس مجلس الوزراء، وعبد القادر باجمال امين عام المؤتمر الشعبي العام، لبحث تداعيات تراجع قيمة الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.

هذا ملخص خبر من أيام الزمن الجميل.. هكذا أصبحت أيام صالح التي كنا نمقتها وننقدها من الأيام الجميلة العالقة في ذاكرة اليمنيين.. وأصبح الجميع، حتى الذين خرجوا في 2011 للمطالبة برحيل صالح، يتمنون عودة ذاك الزمان، ووصل الحال بنشطاء في ثورة الشباب إلى المطالبة صراحة بتعيين قيادات نظام صالح في الحكومة، بعد فشل الفريق الحكومي والرئاسي للرئيس هادي في التعاطي مع تداعيات انهيار قيمة الريال.

أسماء لها وزنها: صالح، باجمال، الارياني، عبد الغني... وأخيراً مجور، ومجرد جلوسها على طاولة واحدة لبحث قضية ما ستكون مخرجات هذا الاجتماع قرارات فعلية للتنفيذ، وفعلاً ثاني أيام الاجتماع رأس مجور اجتماعاً لحكومته واتخذ القرارات التي تم الإجماع عليها.

هذه إحدى الأخبار التي تابعتها إبان نظام صالح والاستهلال بالخبر لتوضيح فلسفة الإدارة لدى مؤسسة الرئاسة أيام صالح وأيام هادي نائبه الذي يتحرك بفوضوية مرعبة في تعاطيه مع الملفات المتعلقة بأمن الناس الغذائي ومستقبل البلد.

في إحدى اجتماعات صالح الحزبية مع اللجنة الدائمة للمؤتمر قال صالح، رحمه الله، مخاطباً وزير التربية والتعليم عبد السلام الجوفي حينها.. يا وزير التربية، في مدرسة في بلاد الطعام مغلقة من أسبوع بسبب خلاف على إدارة المدرسة، هل عندك خبر؟ كان الجوفي في الصف الأول مع وزراء الحكومة.. نهض الجوفي وظهر من رده أنه ليس لديه علم بهذه المشكلة وهي في إطار اختصاصه.

حينها قال صالح، اتصل بي الشيخ فلان الساعه 2 الفجر وكلمني على مشكلة المدرسة وقلت له ليش ما تتواصل مع جهة الاختصاص مكتب التربية في المحافظة والوزارة، وكان رد الشيخ أنه حاول التواصل دون جدوى.. قال صالح للجوفي: غداً والطلاب داخل مدرستهم. وقال.. أنا أتواصل حتى مع قائد نقطة في طريق في غرب أو شرق البلاد، وأنتم راقدين ما تعرفوا مشاكل وزاراتكم.

فلسفة الحكم لدى صالح كانت المسؤولية أولا مهما كانت المآخذ على أدائه وقيادات نظامه، غير أن إظهاره لمسؤولية كبيرة في التعاطي مع القضايا والملفات والتحرك سريعا وإبداء ردة فعل حتى على مستوى تصريح سياسي في المشترك، هذا الأمر كان يشعر الناس أن الرئيس موجود وأنه يتابع كل التفاصيل ولا يكتفي بالتقارير التي تصل إليه.

احتاج هادي أسبوعا كاملا ليجتمع مع اللجنة الاقتصادية لبحث أزمة تراجع قيمة الريال، وحين عقد الاجتماع وأظهر للشارع والسوق أنه موجود ويوجه، خرج من الاجتماع مغادرا إلى أمريكا للعلاج.. هذا من حقه أن يتعالج ويسافر، لكن يفترض بمؤسسة الرئاسة والرئيس اختيار الوقت المناسب بدلا من التسبب برسائل سلبية قد تكون لها تأثير غير إيجابي على الوضع الذي تمت مناقشته أو بحث الحلول له.. بمعنى آخر إعلان سفر الرئيس وإشاعة خبر مرضه وخطورة وضعه الصحي تصرف غير سليم، لأن دخول صحة الرئيس بورصة التكهنات سيعقد الوضع في بورصة الريال المتهاوي أساسا.

يظهر هادي في قضايا كثيرة عاجزا حتى عن الحديث وإبداء التوجيهات ويغيب عن مخاطبة شعبه وكأنه لايرى ضرورة للتواصل والظهور لتوضيح رؤية وقرارات الرئاسة للشعب الذي تتنازعه مشاريع كثيرة أنعشتها فلسفة هادي في إدارة الدولة والرئاسة.. كان صالح، رحمة الله عليه، يحضر فعالية صغيرة من أجل يبعث برسائل ويوضح مواقف ويصدر توجيهات علنية لإكساب الناس ثقة بقدرة القيادة على التعامل مع التطورات.

قد يكون هناك من يقول إن صالح توفرت له ظروف أفضل من هادي، غير أن المتابع لأداء هادي يدرك تهاونه وفشله حتى في القيام بمسؤولياته في المساحة المتاحة له.. الرجل يصدر قرارات جمهورية ولا تعلن إلا بعد أشهر في بعض الحالات، وكأن القرارات الجمهورية تحتاج إلى تأشيرة خروج لتعلن وتصبح سارية.

يكشف تقرير لمعهد واشنطن أن وزارة المالية اليمنية تملك حسابا في شركة صرافة سعودية يتم توريد عائدات نفطية من خلال ذلك الحساب، وهذا يعني أن إدارة السياسة المالية للشرعية تقتصر على توجيهات الصرف وطباعة العملة فقط وليس هناك أوعية دولة تتلقى ما هو حق للشعب من عائد ثرواته وإيراداته المحلية.

هادي يبدو وحيدا في إدارته للرئاسة، ولا يملك فريقا رئاسيا يمكنه الاعتماد عليه حتى مجموعة مستشاريه اختار قيادات أحزاب كانت دوما جزءا من المشكلة، ولا تستطيع إنتاج حلول واقعية للمشاكل التي تعترض البلد، بل إنه حتى لايستشير أحداً.

يشكل الرئيس رمزية خاصة تلوذ بها الجهات المختصة حين تعترضها الأزمات، غير أن هادي أهان هذه الرمزية، وأنهى فاعليتها بشكل تام.. فوضى القرارات الجمهورية الصادرة منذ عامين كافية لرسم صورة قاتمة وسوداوية عن الرئيس ومستقبل إدارته لأعلى سلطة في البلاد.