خطاب الحوثي.. طغيان العنصرية والتكفير وتغييب الجمهورية والدولة

السياسية - Tuesday 04 September 2018 الساعة 11:43 am
سمير الصنعاني، نيوزيمن:

رغم أن نشأة الحركة الحوثية ارتبطت بالبعد المذهبي دينياً، وارتكزت على طابع التمرد العسكري المسلح على الدولة، وعكست ارتباطها بصراع النفوذ الإقليمي سياسياً من خلال تبني وترديد لشعار صرخة الموت الخمينية الإيرانية منذ اليوم الأول لإعلان حسين بدر الدين الحوثي التمرد المسلح على مؤسسات الدولة، إلا أن خطاب الحركة شهد تقلبات عديدة في الأساليب التي اتخذها للتعبير عن ذلك النفس المذهبي الطائفي قبل أن يصبح خطاباً مذهبياً طائفياً مليشياوياً فجاً مع سيطرتها المسلحة على السلطة.

مذهبية بقناع المظلومية

ومع أن ملازم مؤسس الحركة الحوثية حسين بدر الدين الحوثي عكست بجلاء بمضامينها التوجه المذهبي العنصري الطائفي، والتموضع المرتبط بالتبعية والعمالة لإيران وثورتها الخمينية، إلا أن ذلك التوجه ظل محصوراً في أطر ضيقة اتسمت ببعدين: الأول، ديني مذهبي ذو طابع سري. والثاني، خطاب معلن ذو طابع سياسي لكنه مرتبط بالتمرد المسلح وبرد الفعل على خطاب الدولة في حربها لإخماد تمرد الحركة.

وحاول خطاب المليشيا الحوثية خلال الفترة الممتدة من 2004م وإلى 2010م حصر الحديث عن مزاعم مظلومية المتمردين ويبرر لتمردهم المسلح ضد الدولة ومؤسساتها، إلا أنه لم يستطع إخفاء البعد المذهبي والطائفي لحركة التمرد من خلال الزعم بأن تمردهم يمثل دفاعاً عن المذهب الزيدي.

ومع أن الدولة بمواجهتها لتمرد المليشيا الحوثية كانت تؤدي واجبها الدستوري والقانوني، إلا أن أجهزتها فشلت إلى حد كبير في وضع خطة ناجحة للقضاء على طبيعة الفكر المذهبي العنصري للحركة الحوثية المتمردة والتعامل معه بخطاب يشمل مختلف الجوانب الدينية والفكرية والثقافية والسياسية.

وفيما كان الخطاب الرسمي يتهم المليشيات الحوثية بتبني الفكر الكهنوتي والسعي لإعادة النظام الإمامي والقضاء على النظام الجمهوري، والتبعية لإيران والسعي لتنفيذ أجندتها، إلا أن الخلافات بين القوى السياسية حالت دون نجاح الخطاب الرسمي في تكوين رأي عام يدرك خطورة المشروع الذي تحمله المليشيا الحوثية، وحولته إلى قضية مناكفات سياسية استغلتها القوى المعارضة في تصفية حساباتها ضد النظام والدولة ومؤسساتها.

وانضمت قيادات سياسية وإعلامية ونشطاء حقوقيون في حملات تتبنى الترويج لمظلومية حركة التمرد الحوثية وتبرر لحملهم السلاح في وجه الدولة بعناوين ويافطات سياسية وحقوقية تبين فيما بعد أنها حملات مخططة بعناية وأنها نفذت في إطار مشروع مذهبي عنصري وسلالي رغم أن معظم من ساندوه سياسياً وإعلامياً لم يعرفوا حقيقته إلا بعد عقد كامل من الزمن وتحديداً في العام 2014م بعد إسقاط المليشيات الحوثية العاصمة صنعاء عسكرياً وسيطرتها على مؤسسات الدولة ونهبها.

من تبرير التمرد إلى الثورية

ومع انطلاق الأزمة السياسية في اليمن مطلع العام 2011م وانخراط الحوثيين في مظاهرات الجامعة إلى جانب بقية القوى المعارضة، بدأت الحركة تقدم نفسها للرأي العام بخطاب سياسي يعكس مشروعها المتزامن مع تحركها العسكري المليشياوي على الأرض، حيث حاولت المليشيات، آنذاك، أن تظهر للرأي العام المحلي والدولي أنها حركة ثورية معارضة لها مشروع سياسي يتحدث عن مناهضة الفساد ويطالب بالعدالة والمساواة والدولة المدنية الحديثة من خلال اعتمادها على مجموعة من القيادات السياسية والأكاديمية والحقوقية والإعلامية التي روجت لخطابها.

ورغم رفض المليشيا الحوثية التوقيع على مشروع التسوية السياسية المتمثل في المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، إلا أنها أصرت على المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني الذي كان إحدى المحطات التي تضمنتها المبادرة وآليتها.

وبالتزامن مع إقدام المليشيا على تنفيذ عملية تمرد مسلح وتمدد عسكري على الأرض، ظهر بوضوح وبقوة في خوضها معركة تهجير السلفيين من منطقة دماج في صعدة بالقوة العسكرية، واستهداف معسكرات الدولة والسيطرة عليها، كانت المليشيا تغالط الجميع بخطاب سياسي منمق في مؤتمر الحوار الوطني من خلال مواقف تحدثت فيها عن دولة مدنية حديثة يسودها النظام والقانون والعدالة والمواطنة المتساوية، ومناهضة الفساد، والحفاظ على النظام الجمهوري والديمقراطي...الخ من الشعارات البراقة التي لم تكن سوى مجرد عمليات تخدير نجحت في تكوين موقف صمت وتواطؤ من القوى السياسية والسلطة الحاكمة تجاه مشروع المليشيا المذهبي والعنصري والتمرد المسلح.

وعقب انتهاء مؤتمر الحوار الوطني بدأت المليشيات الحوثية تسارع من وتيرة الكشف عن مشروعها عبر خطاب ديني مذهبي صرف، وموقف سياسي يبرر لتمددها العسكري ومعاركها في السيطرة ونهب معسكرات الجيش والأمن وممارسة أعمال قتل وتصفية جسدية لقيادات الجيش والأمن وقيادات سياسية معارضة لها.

ووجدت المليشيا الحوثية في قرار حكومة الوفاق الوطني وسلطة هادي برفع الدعم عن المشتقات النفطية، وهو ما يعرف شعبياً بـ(الجرعة)، فرصة لتستكمل مشروع تمددها المسلح، فتبنت خطاباً سياسياً ظاهرياً يتبنى شعار (إسقاط الجرعة، تشكيل حكومة شراكة، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني) في خطابها السياسي الذي مثل غطاءً لتنفيذها عملية إسقاط العاصمة صنعاء عسكرياً عبر ما سمته المليشيا ثورة (21) سبتمبر التي أفضت إلى استيلائها على مختلف مؤسسات الدولة والبدء بإدارتها عبر مسمى اللجان الثورية، قبل أن تستكمل مشروعها في الانقلاب على السلطة في فبراير 2015م عبر ما سمي بالإعلان الدستوري الذي حلت بموجبه السلطات الدستورية وعلى رأسها مجلسا النواب والشورى، ونصبت ما سمته باللجنة الثورية العليا حاكماً يدير مؤسسات الدولة وشؤون البلاد خارج نصوص الدستور والقوانين وبعيداً عن السلطات الشرعية.

خطاب عنصري بلا قناع

ومع بداية تولي ما سمي اللجنة الثورية لزمام السلطة حاولت المليشيا تبني خطاب يزعم أن انقلاب (21 سبتمبر) هو ثورة مساواة وعدالة وقبول بالآخر ومحاربة للفساد، لكن ذلك الخطاب لم يكن أكثر من مجرد ذر الرماد على العيون، فقد كشفت تصرفات المليشيات الحوثية عن الوجه الحقيقي للمشروع العنصري المذهبي السلالي الإمامي الذي تنفذه والذي يستهدف النظام الجمهوري ويحاول العودة بالبلاد إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م، وهو ما أكدته الإجراءات التي اتخذت ضد رموز الثورة السبتمبرية، ومنجزاتها والتي وصلت حد تغيير أسماء بعض المنشآت الصحية والتعليمية والشوارع التي تحمل أسماء ثوار 26 سبتمبر التي أطاحت بالنظام الإمامي.

ومع انطلاق حرب التحالف العربي بقيادة السعودية ضد المليشيات الحوثية في مارس 2015م بدأت المليشيات تتبنى خطابا يدعي الدفاع عن الوطن، ومواجهة العدوان الخارجي، ويقدم المليشيا على أنها حركة سياسية وطنية ضد الغزو والاحتلال وحركة مقاومة ضد المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة.

ومع أن خطاب مواجهة العدوان حظي بالتفاف شعبي وسياسي خاصة مع وقوف الرئيس السابق الزعيم علي عبدالله صالح والمؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه إلى جانب مليشيات الحوثي في مواجهة العدوان الخارجي، وهو الموقف الذي شمل كل الجبهات السياسية والعسكرية والإعلامية وصولاً إلى تحمل مسؤولية الإسهام في إدارة شؤون الدولة ومؤسساتها، إلا أن كل تلك التضحيات لم تكن كافية لإخفاء حقيقة المشروع الذي تنفذه المليشيا الحوثية التي ظلت على مدى ثلاث سنوات تنتج خطاباً سياسياً وإعلامياً انتقامياً ضد صالح وحزبه المؤتمر، ترافق مع إجراءات سياسية تستهدفه وتستهدف كوادر وقيادات وأعضاء وأنصار حزبه بالإقصاء والتهميش، قبل أن يتحول الأمر إلى خطاب تخوين واتهامات بالعمالة وينتهي إلى شن حرب عسكرية ضد صالح وحزبه انتهت باغتياله ومعه رفيقه الأمين العام للمؤتمر عارف الزوكا، وانقلبت على كل الاتفاقات والمواثيق الموقعة بين الطرفين.

ومع أن مليشيات الحوثي حاولت تغيير مضامين خطابها ومواقفها السياسية بشكل أو بآخر على مدى السنوات السبع الماضية، غير أن الثابت أنها فشلت في إخفاء حقيقة مشروعها المذهبي العنصري الذي لا يكتفي بادعاء تمثيلها للشعب اليمني وتبرير كل الجرائم التي ترتكبها بحقه، بل يتعداه إلى إصرارها ادعاء حقها في الحكم والسلطة بنظام كهنوتي قائم على مزاعم (الحق الإلهي) وخرافة الاصطفاء السلالي والانتساب لأسرة الرسول.

ومنذ انطلاق قناة المسيرة الناطقة باسم المليشيات الحوثية في 23 مارس 2012م والتي مثلت المنفذ الإعلامي الرسمي الأول للمليشيات في مخاطبة الداخل والخارج، مروراً بالمواقف السياسية التي أعلنها ما يسمى مكتبها السياسي، ثم بسيطرتها واستغلالها لوسائل الإعلام الرسمية، واستغلالها إمكانيات الدولة ومؤسساتها في إطلاق إذاعات وقنوات وصحف ومطبوعات خاصة بها، وصولاً إلى نشر وتوزيع ملازم مؤسس الحركة حسين الحوثي، وانتهاءً بخطابات زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي، يمكن التأكيد على أن أبرز موقفين يطغيان على مضامين هذا الخطاب هما: الاصطفاء الإلهي الذي يعكس جوهر العنصرية المقيتة في فكر الحركة الحوثية، والتكفير الذي يلغي الآخر المختلف مع فكر المليشيا ويبرر قتله وسحله.

ولا يجد الباحث صعوبة وهو يراجع مضامين خطاب المليشيات الحوثية ويحلل مضامينها في التوصل إلى بديهية مفادها سيطرة مصطلحات العنصرية كالولاية، والمبايعة، والإمامة، وقرين القرآن، والقرآن الناطق، وعلم الهدى... وغيرها من المفردات التي تسعى المليشيا من خلالها إلى تبرير مشروعها في السيطرة على الحكم بالقوة والعنف ومصادرة حق الشعب في اختيار من يمثله وفقًا لأساليب ديمقراطية.

وبذات القدر تكتظ خطابات ومواقف المليشيا بمفردات الرفض للآخر التي لا ترى في المخالفين أو المعارضين لها سوى مجرد منافقين، وتكفيريين، ودواعش، وخونة يحق لها جهادهم وقتلهم وتهجيرهم من أراضيهم، وتدمير ومصادرة منازلهم وممتلكاتهم.

وفي مقابل طغيان مفردات التمجيد لمضامين العنصرية ورفض الآخر في خطاب المليشيا، نجده يخلو تماماً من مفردات الجمهورية والديمقراطية والدولة والدستور والقانون وغيرها من المصطلحات التي تعكس الإيمان بمبادئ حقوق الإنسان وحريته الدينية والسياسية والفكرية وبالنهج الديمقراطي الذي يكفل للشعب الحق في اختيار من يحكمه عبر الانتخابات والتنافس السياسي التعددي.

والخلاصة، أن الخطاب الذي تتبناه مليشيا الحوثي يكشف حقيقة مشروعها الذي يصادر حق الشعب اليمني في الحياة والحرية والكرامة والحقوق والمساواة والعدالة والتنوع والتعدد والاختلاف والتباين والاحتكام لقيم ومبادئ ونظم الدولة والدستور والقوانين والأنظمة، والإيمان بأن الشعب هو مصدر السلطة والشرعية، وهو صاحب الحق في اختيار من يحكمه عبر الانتخابات، ما يجعل من أهمية وضرورة مواجهة هذا المشروع وهزيمته قضية حتمية وواجباً يجب على الجميع خوضه، فلا مستقبل ليمن جمهوري متحد وديمقراطي، ولا أفق لدولة يسودها العدل والمواطنة المتساوية في ظل بقاء مشروع المليشيات الحوثية.