سد مأرب.. رمز تاريخي وعنوان لحميمية علاقات اليمن والإمارات
السياسية - Sunday 30 September 2018 الساعة 06:54 pm
يصادف اليوم الأول من أكتوبر الذكری الرابعة والثلاثين لوضع حجر الأساس لإعادة بناء سد مأرب، من قبل الزعيمين الراحلين الشهيد علي عبدالله صالح ومؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي تكفل بإعادة بنائه علی نفقته الشخصية.
ومثلما كان سد مأرب التاريخي أحد أبرز شواهد حضارات اليمن التليدة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، أصبح بعد إعادة تشييده بتمويل من الشيخ زايد بن سلطان رمزاً للعلاقات الأخوية الحميمية بين البلدين والشعبين الشقيقين اليمني والإماراتي.
وستظل تلك الكلمات القومية الصادقة التي قالها الشيخ زايد وهو يضع حجر الأساس لإعادة بناء هذا السد في الأول من أكتوبر من العام 1984 مبعث فخر لكل اليمنيين.. حيث قال، "إن من واجبنا أن نأخذ بيد اليمن حتى يكون رافداً للأمة العربية في الحاضر والمستقبل".
وأضاف: "لم أجد أعز وأغلى لليمني من بناء سد مأرب.. فعزمت على بنائه من جديد".
وهكذا خط الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه" عنوان العلاقات السياسية والاجتماعية بين الإمارات واليمن، وجسد وفاءه لأرض اليمن مهد الحضارات والتي يرجع إليها أصول آل نهيان أجداد الشيخ زايد الذين غادروا مأرب عقب انهيار السد القديم.
وبعد عامين من تاريخ وضع حجر الأساس، افتتح الزعيمان صالح وآل نهيان، السد.. فيما أمر الشيخ زايد بمواصلة دعم المشاريع المرتبطة باستدامة السد.
وفي نوفمبر 2002 تم التوقيع في صنعاء على اتفاقية تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع السد بتكلفة 87 مليونا و820 ألف درهم على نفقة الشيخ زايد الخاصة.
ويعد سد مأرب شاهداً على عظمة وعراقة التاريخ في اليمن.. حيث يعود تاريخ بناء وتشييد السد الذي اعتبره الباحثون "معجزة تاريخ شبه الجزيرة العربية".. إلى القرن الثامن قبل الميلاد في زمن ملكة سبأ "بلقيس".
وكانت حضارة سبأ التي تعد من حضارات اليمن التليدة سعت إلى بناء السدود لتجميع مياه الأمطار والاستفادة منها لري المحاصيل الزراعية منذ الألفية الرابعة ق.م.
وسد مأرب يعد أهم السدود اليمنية القديمة وكان يروي ما يقارب 24,000 آكر (قرابة 98,000 كم مربع).
وبني سد مأرب من حجارة اقتطعت من صخور الجبال، حيث نحتت بدقة، ووضعت فوق بعضها البعض واستخدم الجبس لربط الحجارة المنحوتة ببعضها البعض، واستخدام قضبان أسطوانية من النحاس والرصاص يبلغ طول الواحدة منها ستة عشر متراً، وقطرها حوالى أربع سنتمرات توضع في ثقوب الحجارة فتصبح كالمسمار فيتم دمجها بصخرة مطابقة لها وذلك ليتمكن من الثبات أمام خطر الزلازل والسيول العنيفة.
وحسب التنقيبات الأثرية، فإن السد تعرض لأربعة انهيارات على الأقل آخرها كان في العام 575م ولم تبذل جهود لترميمه من ذلك الحين لغياب حكومة مركزية واضطراب الأمن في البلاد وتدخل القوى الأجنبية (الفرس) واستقلال زعماء القبائل بإقطاعياتهم.
بناء السد القديم
وهناك اختلاف بين الباحثين حول مرحلة بناء "سد مأرب العظيم"، فقد مر بعدة أطوار وأبحاث أثرية حديثة قام بها المعهد الألماني للآثار تشير إلى نظم زراعية قرب مأرب تعود إلى الألفية الرابعة ق.م، إلا أن السد الشهير نفسه يعود إلى القرن الثامن ق.م وبقي صامدا يؤدي عمله حتى عام 575م.
بينما أفاد بعض الباحثين أعاده إلى القرن العاشر ق.م.
وتعرض السد لعدة تصدعات ولكن نهايته كانت في العام 575 بعد الميلاد.
وفي القرن الثامن، وردت نصوص لمكاربة تشير إلى تعلية وإصلاحات على السد فبلغ طوله 577 متراً وعرضه 915 متراً وهو ضعف سد هوفر الأمريكي.
وبني السد في الجهة التي تسيل منها السيول، فتمكن السد من حصر الماء وزود بثقوب أو أبواب لتسمح بقدر أكبر من التحكم بجهة المياه عقب استقرارها في الحوض.
وكان السد القديم يروي ما يقارب 24,000 آكر (قرابة 98 كم مربع) وهو ما عنى أن سكان اليمن حققوا الاكتفاء الذاتي من ناحية احتياجهم للماء والغذاء، فالماء الناتج عن السد القديم كان يكفيهم للزراعة وإطعام مواشيهم.
ويعتبر سد مأرب من أرقى السدود من الناحية الهندسية.
وقد قام المهندسون بمعاينة طبيعة الأرض قبل إنشاء السد، ثم بنوا عليها المخطط الهندسي الذي هو عبارة عن حائط حجري ضخم أقيم في مربط الدم عند مخرج السيل من الوادي، وبني على زاوية منفرجة، ممتدًا من الجنوب إلى الشمال مسافة ستمائة وخمسين مترًا، وله فتحات وأبواب تُفتح وتُغلق حسب الحاجة لمرور الماء منها المسايل المتصلة بها لإرواء الحقول والبساتين والمزارع.
تهدم السد
تدمير سد مأرب حدث تاريخي، وذكر في القرآن الكريم بقوله تعالی: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ ۖ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ، فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ).
وترتب على ذلك فشل نظام الري، ما أدى لهجرة ما يصل إلى 50،000 شخص من اليمن إلى مناطق أخرى من شبه الجزيرة العربية.
السد الحديث
في عام 1984م أعلن رئيس دولة الإمارات الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان تبرعه بإعادة بناء وتأهيل وتوسيع سد مأرب، لتبلغ مساحة بحيرته 30 كيلومترا مربعا، ويسع 400 مليون متر مكعب من الماء، ويروي حوالي 16000 هكتار من الأراضي.
وفي عام 2002م بدأ العمل في المرحلة الثانية من مشروع قنوات إعادة تأهيل سد مأرب بطول 69 كيلو متراً بتكلفة بلغت 23 مليونا و910 آلاف دولار أمريكي بتمويل من صندوق أبو ظبي للتنمية.